ولم يقولوا فيه: "عن أبيه"، وعبد الرحمن بن جُبير لم يدرك ثوبان، فالراجح أنه منقطع، لقول الجماعة.
ولا يبقى النظر إلا في الترجيح بين حديث ابن مسعود، وحديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنهما -، وما تابعه في بعض طرق حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.
وقد تقدم أن حديث ابن مسعود لم تتفق الروايات فيه على قوله: "ثم ليسلم، ثم ليسجد سجدتين"، ولكنها زيادة صحيحة.
وحديث أبي سعيد اتفقت الروايات فيه على تعيين السجود قبل التسليم، ففي تقديم أحدهما على الآخر نظر من حيث الإسناد، بل إن اتفق أمر خارجيٌّ رُجح به، وإلا فلا.
وأما حديث ابن بُحينة فقد أجاب عنه الطحاوي وغيره بأن حديث المغيرة بن شعبة قد عارضه، وفيه السجود بعد السلام في صورة النقص التي انتفت في حديث ابن بُحينة بعينها.
وتأول بعضهم حديث ابن بُحينة بأن المراد بالسجود هنا سجود الصلاة الذي من صُلب الركعة، أو بأن المراد بقوله: "قبل السلام" السلام الثاني.
وقال بعضهم: يَحتَملُ أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - سجد في قصة ابن بحينة قبل السلام سهوًا.
قال العلائي -رحمه الله-: وهذه كلها خلاف الظاهر، أو باطلة، وكيف يُحمل السجود هنا على ركن الصلاة، وقد قال عبدُ الله ابن بحينة: فلمّا قضى الصلاة، وانتظرنا تسليمه سجد سجدتين، ثم سلّم؟!!
وكذلك حملُ السلام على التسليمة الثانية، فإن سجود السهو لا يكون إلا بعد التسليمتين اتفاقًا، وأما السهو فالأصل عدمه، وتطريقه إلى الأفعال الشرعية من غير دليل يدل على ذلك الفعل لا يجوز، ثم إنه مقابل بعكسه، فقد قال جماعة من أصحابنا: إن سجود النبي - صلى الله عليه وسلم - في قصة ذي اليدين بعد السلام محمول على أنه أخّره سهوًا.
وفي كلام الشافعي إشارة إليه، بل هذا الاحتمال أولى، لأن نقل ما ليس من نفس الصلاة إليها بعيد، بخلاف سجود السهو من قبل السلام إلى ما بعده.
والحقّ أنه لا يُحمل شيء من هذين الفعلين على السهو، لمخالفته للأصل من غير دليل، وتطرق ذلك إلى ما لا يسوغ في الاستدلال بفعله - صلى الله عليه وسلم -.
وأما معارضة حديث المغيرة بن شعبة لحديث ابن بُحينة - رضي الله عنهما -، فقد تقدم أن إسناد حديث المغيرة ليس بالقويّ، وأن حديث ابن بحينة أصح منه، وقد اعتضد بحديث معاوية - رضي الله عنه -. وحكى أنه شاهد هذا من النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومعاوية متأخر الإسلام من مسلمة الفتح.