ثم قال الإمام: وقال بعض أئمتنا: لا خلاف أنه يُجزىء التقديم والتأخير، وإنما التردد في بيان الأولى والأفضل، ففي قول يقول: الأفضل التقديم، وفي قول: لا نفضل، ولا نفرّق، ونجوز الأمرين جميعًا، وفي قول: نفرّق بين الزيادة والنقصان في الأفضل لا في الإجزاء، فإن الأمرين جميعًا جائزان مجزيان، ووجّه هذه الطريقة بصحة الإخبار في التقديم والتأخير جميعًا.
ثم قال: والطريقة المشهورة ردّ التردد إلى الإجزاء والجواز كما تقدّم، ويظهر توجيهها من جهة المعنى، فإن السجود إذا وقع قبل السلام كان زيادة في الصلاة، وإذا وقع وراء التحلل كان منفصلًا عن حكم الصلاة، وهما أمران متباعدان, والتخيير بينهما بعيد.
وكذلك قال الرّافعي بعد حكاية الأقوال الثلاثة التي ذكرناها آنفًا: ثم هذا الاختلاف في الإجزاء على المشهور بين الأصحاب، وحكى القاضي ابن كج، وإمام الحرمين طريقة أخرى أنه في الأفضل.
وقد تقدم نقل ابن عبد البرّ عن الفقهاء أن الاختلاف في الأولوية، وكذلك صرّح به عن مذهبه.
فقال: جملة مذهب مالك: أن من وضع السجود الذي قلنا: إنه قبلُ بعدُ، أو وضع السجود الذي قلنا بعدُ قبلُ، فلا شيء عليه، إلا أنهم أشدّ استثقالًا لمن وضع السجود الذي بعد السلام قبل السلام.
وقال القرطبي في "شرح مسلم": وهل هذا الترتيب هو الواجب، أو هو الأولى؟ قولان للأصحاب.
وصرّح صاحب "الهداية" عن مذهب الحنفية أن الكلام في الأولوية، لا في التعيُّن.
وظاهر مذهب أحمد أن الخلاف في الإجزاء والتعيّن، لأن سجود السهو عندهم واجب، كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
ونصّ الشيخ موفق الدين في "المقنع" على أن من ترك سجود السهو الذي محله قبل السلام عمدًا بطلت صلاته، وإن تركه سهوًا قضاه بعد السلام ما لم يتطاول الفصل، قال: وإن ترك المشروع بعد السلام لم تبطل صلاته.
قال العلائي: فدلّ هذا على أن الخلاف يرجع عندهم إلى التعيين، وهو أقوى في ذلك من الراجح عند إمام الحرمين والرافعي، لأن أحدًا من أصحابنا لم يقل ببطلان الصلاة إذا تعمّد ترك سجود السهو الذي قبل السلام.
ولكن فائدة القول بالتعيين أنه إذا سلّم قبل السجود، فقد فات محلّه، فلا يتدارك،