فتحصل بذلك ثلاثة أقوال في مذهب مالك -رحمه الله-.

وأما أحمد بن حنبل -رحمه الله- فإنه قال باستعمال الأحاديث كلها، فحكى الأثرم أنه سمعه يقول: كل سهو سجد له النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل السلام أو بعده، فمحله حيث سجد النبي - صلى الله عليه وسلم -، وما سوى المواضع التي ورد السهو فيها عنه - صلى الله عليه وسلم -، فالسجود لها قبل السلام، لأنه يُتم ما نقص من صلاته، قال: ولولا ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لرأيت السجود كله قبل السلام، لأنه من شأن الصلاة أن يقضيها قبل السلام، ولكن أقول: كل ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه سجد فيه بعد السلام، فإنه يسجد فيه بعد السلام، وسائر السهو يسجد فيه قبل السلام.

وقال داود الظاهري نحوًا من هذا القول، لكنه اقتصر في مشروعية سجود السهو على المواضع التي ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سجد فيها، ولم يقل به فيما عداها جريًا على طريقته المعروفة من الجمود، وعدم الإلحاق مع فهم المعنى.

وعن أحمد أيضًا روايتان أخريان: إحداهما كمشهور مذهب الشافعي، والأخرى كقول مالك.

وقول إسحاق بن راهويه كقول أحمد المتقدم في تبعية الأحاديث، وفيما عداها يُفرّق بين الزيادة والنقصان كمذهب مالك.

ثم هذا الخلاف، هل هو في الأولوية مع جواز الأمرين، أم في الاستحقاق؟

صرّح ابن عبد البرّ بأن الخلاف إنما هو في الأولوية، وأن كل من قال بأنه بعد السلام، فسجد قبل السلام، أو بالعكس، فلا شيء عليه.

وكذلك قال الماوردي في كتابه "الحاوي": ولا خلاف بين الفقهاء أن سجود السهو جائز قبل السلام وبعده، وإنما اختلفوا في المسنون.

وحكى إمام الحرمين أبو المعالي -رحمه الله- في مذهب الشافعي طريقين: أحدهما: نقل ثلاثة أقوال: أحدها: وهو الصحيح من المذهب أن السجود قبل السلام، ولو أوقع بعده لم يُعتدّ به.

والثاني: الفصل بين الزيادة والنقصان كما تقدّم، وعزاه إلى القديم.

والثالث: أن الساهي بالخيار، إن شاء قدّم، وإن شاء أخّر، فهما سواء -يعني في حالتي الزيادة والنقص.

قال العلا الحافظ العلائي: وهذا القول غريب في المذهب، وقد عزاه الحازمي إلى القديم، وهو موافق للمقول المحكي عن مالك فيما تقدّم عن "المجموعة"، وهو قول محمد بن جرير الطبريّ، حكاه عنه القاضي عياض رحمه الله تعالى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015