وأما من قال بأن الكلام لمصلحة الصلاة فيها لا يجوز، ويبطلها، فيحتجّون بالرواية الأخرى من طريق حمّاد بن زيد: فأومأوا، أي نعم، ويقولون: لم يقع كلام من الصحابة بعد تحققهم عدم القصر، ويجيبون عن قول ذي اليدين ثانيًا: بلى قد نسيت يا رسول الله. انتهى كلام العلائي، وهو بحث نفيس جدًّا. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

المسألة الثامنة:

قال الحافظ العلائي -رحمه الله-: دلت هذه الأحاديث على مشروعية سجود السهو في مثل هذه الصورة، ودلالتها على مشروعيته من حيث الجملة بطريق الأولى.

وقد اتفقت المذاهب على مشروعية سجود السهو لمن وقع له في الصلاة ما جرى من النبي - صلى الله عليه وسلم -، أو نحوه على وجه السهو، عملًا بهذه الأحاديث في الصورة الخاصّة، وقياسًا عليها في غيرها، لتحقق المقتضي الذي شرع سجود السهو له فيها، وقد تقدم أن روايات الزهري لحديث ذي اليدين نفى فيها كون النبي - صلى الله عليه وسلم - سجد يومئذ للسهو، إما جزمًا، كما قال في رواية الأوزاعي عنه في آخر الحديث: ولم يسجد سجدتي السهو حين يقّنه الناس، وإما نفيًا للعلم, كما في رواية يونس بن يزيد عنه، عن سعيد المسيب، وأبي سلمة بن عبد الرحمن، وأبي بكر بن عبد الرحمن، وعبيد الله بن عبد الله، كلهم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - بحديث ذي اليدين، وسمّاه ذا الشمالين، وفي آخره: قال الزهري: ولم يحدثني أحد منهم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سجد سجدتين، وهو جالس في تلك الصلاة، وذلك فيما نرى -والله أعلم- من أجل أن الناس يقّنوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى استيقن.

وهاتان الروايتان في "صحيح ابن خزيمة" كما تقدم.

وكان ابن شهاب يقول: إذا عَرَفَ الرجلُ ما نسي من صلاته، فأتمّها، فليس عليه سجود سهو.

قال الإمام أبو الحسين مسلم بن الحجاج -رحمه الله- في كتابه "التمييز" له: قول ابن شهاب: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما سجد يوم ذي اليدين سجدتي السهو خطأ وغَلَطٌ، وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه سجد سجدتي السهو ذلك اليوم من أحاديث الثقات، كابن سيرين وغيره.

وقال ابن عبد البرّ -رحمه الله-: لا أعلم أحدًا من أهل العلم بالحديث المصنفين فيه عوّل على حديث ابن شهاب في قصة ذي اليدين، وكلهم تركه، لاضطرابه فيه، وأنه لم يقمه إسنادًا ولا متنًا، وإن كان إمامًا عظيمًا في هذا الشأن، فالغلط لا يسلم منه أحد،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015