والكمال ليس لمخلوق.
قال العلائي -رحمه الله-: وعلى تقدير قبول هذا الحديث من الزهري، والحكم بتصحيحه، فإما أن نعتبر روايته التي نفى فيها عدمَ العلم بوقوع سجود السهو من النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم ذي اليدين، أو نعتبر الرواية التي جزم فيها بعدمه.
فعلى التقدير الأول لا تعارض بينه وبين بقية الروايات، لأنه لم ينف ما أثبتوه، بل ذكر أن أحدًا من شيوخه لم يروه له، فلا يرد مثل هذا على من حفظ ذلك، ورواه إجماعًا.
وأما على التقدير الثاني، فهو يَتَخرّج على تعارض المثبت والنافي، وجمهور العلماء على ترجيح المثبت على النافي، لما عنده من زيادة العلم، ونُسب الخلافُ في ذلك إلى القاضي عبد الجبار من المعتزلة وغيره، فقالوا: هما متعارضان، وهو ضعيف، لما ذكرنا من أن المثبت معه زيادة علم، وقد حفظها، وقصر النافي عنها.
وقد ذكر بعض المتأخرين من الأئمة أن هذا التقديم إنما يكون في نفي مطلق، وإثبات مطلق، فأما متى كانا محصورين في قضية واحدة، فإنهما يكونان متعارضين.
ومثَّل ذلك باختلاف بلال وأسامة - رضي الله عنهما - حيث دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - الكعبة، فنفى أسامة أن يكون صلى فيها، وأثبت ذلك بلال، وحديثُ ذي اليدين قريب من هذا.
والجواب عن هذا أن غاية الأمر بعد تسليم أن الزهري اتصلت له الرواية جازمة بعدم سجود السهو يومئذ، وأنه ما غلط في ذلك أن يكونا متعارضين، وحينئذ يُرجع إلى الترجيح.
والترجيح هنا للروايات المثبتة لسجود السهو، لكثرتها، وتعدد الثقات الحفّاظ الناقلين لها، كما تقدم سياق ذلك، فالأخذ بها هو المتعيّن.
ثم نلزم الحنفية القائلين بتصحيح حديث الزهري، والاحتجاج على أن القصة قبل بدر، وأن المتكلم ذو الشمالين أن يقبلوا نفيه لسجود السهو يومئذ، ولا يقولون بمشروعيته في هذه الصورة. انتهى كلام العلائي، وهو بحث مفيد جدًّا. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
المسألة التاسعة:
في بيان مذاهب أهل العلم في محل سجود السهو:
(اعلم): أنه اختلف في محل سجود السهو، هل هو قبل السلام، أم بعده على أقوال، أوصلها الحافظ العراقي في شرح الترمذي -على ما نقله الشوكاني في "نيله" جـ 3 ص 132 - 135 - ثمانية: