وقال فيه معمر، وسفيان الثوري: "أملكتكها".
وقال أبو غَسّان: "أمكناكها بما معك من القرآن".
وأكثر هذه الروايات في "الصحيحين"، أو أحدهما، فهذا لا يتأتّى أن تكون هذه الألفاظ كلها قالها النبي - صلى الله عليه وسلم - في تلك الواقعة، وتلك الساعة إلا على سبيل التجويز العقلي المخالف للظنّ القويّ جدًّا، فلم يبقَ إلا أنه - صلى الله عليه وسلم - قال لفظًا منها، وعبّر عنه بقية الرواة بالمعنى.
فمن قال بأن النكاح ينعقد بلفظ التمليك، وأنه من صرائحه يَحتَجّ بمجيئه في هذا الحديث الصحيح.
فإذا عُورض ببقية الألفاظ التي في بقية الروايات لم ينتهض احتجاجه.
فإن قال: إنّ النكاح في القصة انعقد بلفظ التمليك، ومن قال غيرَه عبّر بالمعنى، يقلبه خصمه عليه، ويقول مثل ذلك في التزويج، والإنكاح، فلم يبقَ حينئذ إلا الترجيح بأمر خارجيّ، وليس هذا موضع ذكره (?).
ولا سبيل إلى القول بتعدد القصة، لأنه وإن كان العقل يُجوّزه فهو مخالف للظنّ القويّ القريب من القاطع.
ولهذا الضرب أمثلة كثيرة، منها:
حديث ترك الجهر بالبسملة، وحديث نزول آية التيمم، وقصة الرجلين الذين ذهبا نحو عقد عائشة - رضي الله عنها -، وحديث فَضَالة في القلادة من الذهب، وغيره المبيعة يوم خيبر.
لكن أكثر الأحاديث المختلفة لا يتضمن اختلافُها اختلافَ حكم شرعيّ، وبعضها يتضمّن.
ومنه حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - في قصة ذي اليدين هذا، فإن من قال من العلماء بأن الكلام في الصلاة فيما يتعلق بمصلحتها لا يُبطله يحتجّ بما جاء في بعض الروايات الصحيحة من قول ذي اليدين: بلى قد نسيت يا رسول الله بعد قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لم أنس، ولم تُقصَر".
قالوا: فقد تحقق ذو اليدين أن حكم الصلاة باق بعدُ لتحققه عدم القصر، وتكلّمَ بعد ذلك، وأقرّه النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولم يبطل صلاته، وكذلك قول الصحابة للنبي - صلى الله عليه وسلم - بعد قوله: "لم أنسَ، ولم تقصر": صدق يا رسول الله، لم تصلّ إلا ركعتين.