- رضي الله عنه - على النهي عن الكلام عامدا، قال: لأنه قدم من الحبشة قبل بدر، وإسلام أبي هريرة - رضي الله عنه - سنة سبع من الهجرة، وإسلام عمران بن الحُصَين - رضي الله عنهما - بعد بدر، وقد حضرا قصة ذي اليدين، وحضرها معاوية بن حُدَيج، وكان إسلامه قبل وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - بشهرين، وذكر حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - أيضا، ثم قال: فعلمنا أن حديث ابن مسعود في العمد، ولو كان في السهو لكانت صلوات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذه ناسخة له، لأنها بعده.
ثم روى البيهقي عن الأوزاعي، قال: كان إسلام معاوية بن الحكم - رضي الله عنه - في آخر الأمر، فلم يأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - بإعادة الصلاة، وقد تكلم جاهلًا.
وذكر الشافعي رحمه الله في "كتاب اختلاف الأحاديث" نحو ما سبق من كلام الأئمة، قال: ذو الشمالين المقتول ببدر غير ذي اليدين. قال البيهقي رحمه الله: ذو اليدين بقي حيّا بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم -.
فإن قيل: كيف تكلم ذو اليدين، والقوم، وهم بعدُ في الصلاة؟
فجوابه من وجهين:
(أحدهما): أنهم لم يكونوا على يقين من البقاء في صلاة لأنهم كانوا مجوّزين لنسخ الصلاة من أربع إلى ركعتين، ولهذا قال: أقصرت الصلاة، أم نسيت؟
(والثاني): أن هذا خطاب وجواب للنبي - صلى الله عليه وسلم -، وذلك لا يبطل الصلاة، وفي رواية لأبي داود وغيره: إن القوم لم يتكلموا، وتحمل رواية "نعم" عليها. والله -تَعَالَى- أعلم. انتهى كلام النووي رحمه الله -تَعَالَى- في "المجموع" بتغيير يسير.
قال الجامع عفا الله -تَعَالَى- عنه: قد تبين مما ذكر من الأدّلة أن المذهب الراجح هو ما عليه الجمهور، وهو أن من تكلم ساهيًا، أو جاهلًا، لم تبطل صلاته، وأما من تكلم عامدًا، وهو يعلم بتحريم الكلام في الصلاة فقد بطلت صلاته. والله -تَعَالَى- أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
المسألة السادسة: في الكلام على قول الجارية: "في السماء"، ومثله قوله -تَعَالَى-: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5]، وقولُ النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث المتفق عليه: "ينزل ربنا تبارك وتعالى كلَّ ليلة إلى السماء الدنيا. ." الحديث.
لقد حقق الحافظ الناقد البصير أبو عمر بن عبد البرّ رحمه الله -تَعَالَى- هذا الموضوع في كتابه "التمهيد" أتم تحقيق، وبينه أحسن تبيين، فأطال وأعاد، وأسهب وأجاد، وأجمل وأفاد، أحببت إيراد خلاصته هنا تتميمًا للفوائد، ونشر للعوائد.
قال رحمه الله -تَعَالَى- عند شرح حديث النزول، وهو حديث رواه مالك في "الموطإ" عن ابن شهاب، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، وأبي عبد الله الأغر جميعًا عن