أبي هريرة - رضي الله عنه -، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل، فيقول: من يدعوني، فأستجيب له؟ من يسألني، فأعطيه،؟ من يستغفرني، فأغفر له؟ ".
قال أبو عمر رحمه الله: وفيه دليل على أن الله -عَزَّ وَجَلَّ- في السماء على العرش من فوق سبع سموات، كما قالت الجماعة، وهو حجتهم على المعتزلة والجهمية في قولهم: إن الله -عَزَّ وَجَلَّ- في كل مكان، وليس على العرش، والدليل على صحة ما قاله أهل الحقّ في ذلك قول الله -عَزَّ وَجَلَّ-: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5]، وقوله -عَزَّ وَجَلَّ-: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ} [السجدة: 4]، وقوله: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ} [فصلت: 11]، وقوله: {إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا} [الإسراء: 42]، وقوله تبارك اسمه {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} [فاطر: 10]، وقوله -تَعَالَى-: {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ} [الأعراف: 143] وقال: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ} [الملك: 16]، وقال جلّ ذكره: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى: 1]، وهذا هو العلوّ، وكذلك قوله: {الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} [البقرة: 255]، {الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ} [الرعد: 9]، {رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ} [غافر: 15]، {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ} [النحل: 50]. والجهمي يزعم أنه أسفل. وقوله: {تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} [المعارج: 4]، وقال لعيسى عليه السلام: {إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ} [آل عمران: 55]، وقال: {بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ} [النساء: 158]، وقال: {فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} [فصلت: 38]، وقال. {وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ} [الأنبياء: 19]، وقال: {مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ} [المعارج:2 - 3]، والعروج هو الصعود.
وأما قوله -تَعَالَى-: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ}، فمعناه من على السماء، يعني على العرش, وقد يكون "في" بمعنى "على"، ألا ترى إلى قوله تَعَالَى: {فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ} [التوبة: 2]، أي على الأرض، وكذلك قوله: {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه: 71]، وهذا كله يعضده قوله -تَعَالى-: {تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ}، وما كان مثله مما تلونا من الآيات في هذا الباب.
قال: وهذه الآيات كلها واضحات في إبطال قول المعتزلة، وأما ادعاء المجاز في الاستواء، وقولهم في تأويل "استوى" استولى، فلا معنى له، لأنه غير ظاهر في اللغة، ومعنى الاستيلاء في اللغة: المغالبة، والله لا يغالبه، ولا يعلوه أحد، وهو الواحد الصمد، ومن حق الكلام أن يحمل على حقيقته حتى تتفق الأمة أنه أريد به المجاز، إذ