ذهب كثير من أهل الرواية، وكان إسحاق بن راهويه يقول: غلط أبو أسامة في عبد الله بن عبد الله، إنما هو عبيد الله بن عبد الله بالتصغير، وأطنب البيهقي في تصحيح الحديث بدلائله، فحصل أنه غير مضطرب.

وقال الخطابي: ويكفي شاهدا على صحته أن نجوم أهل الحديث صححوه وقالوا به، واعتمدوه في تحديد الماء، وهم القدوة، وعليهم المُعَوَّل في هذا الباب، فممن ذهب إليه: الشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وأبو عبيد، ومحمد بن إسحاق بن خزيمة، وغيرهم، وقال النووي: وقد سَلَّمَ أبو جعفر الطحاوي إمام أصحاب أبي حنيفة في الحديث، والذاب عنهم، صحة هذا الحديث، لكنه دفعه، واعتذر عنه بما ليس بدائع ولا عذر، فقال: هو حديث صحيح، لكن تركناه لأنه روي قلتين أوثلاثا ولأنا لا نعلم قدر القلتين، فأجاب أصحابنا: بأن الرواية الصحيحة المعروفة المشهورة قلتين، ورواية الشك شاذة غريبة فهي متروكة، فوجودها كعدمها، وأما قولهم: لا نعلم قدر القلتين، فالمراد قلال هجر، كما رواه ابن جريج، وقلال هجر كانت معروفة عندهم مشهورة، يدل عليه حديث أبي ذر في الصحيحين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبرهم ليلة الإسراء فقال: "ورفعت لي سدرة المنتهى، فإذا ورقها مثل آذان الفِيَلَة، وإذا نَبْقُهَا مثل قلال هَجَر" فعلم بهذا أن القلال معلومة عندهم مشهورة، وكيف يظن أنه - صلى الله عليه وسلم - يحدد لهم أو يمثل لهم بما لا يعلمونه، ولا يهتدون إليه؟.

فإن قالوا: روي أربعين قلة، وروي أربعين غربا، وهذا يخالف حديث القلتين، فالجواب: أن هذا لا يصح عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإنما نقل أربعين قلة عن عبد الله بن عمرو بن العاص، وأربعين غربًا، أي دلوا عن أبي هريرة، وحديث النبي - صلى الله عليه وسلم - مقدم على غيره، وأجاب أصحابنا أيضا بأنه ليس مخالفا، بل يحمل على أن تلك الأربعين صغار تبلغ قلتين

طور بواسطة نورين ميديا © 2015