فاستكسوني أكسكم، يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعا، فاستغفروني أغفر لكم".

هَذَا يقتضي أن جميع الخلق مفتقرون إلى الله تعالى، فِي جلب مصالحهم، ودفع مضارهم فِي أمور دينهم ودنياهم، وأن العباد لا يملكون لأنفسهم شيئاً منْ ذلك كله، وأن منْ لم يتفضل الله عليه بالهدي والرزق، فإنه يحرمهما فِي الدنيا، ومن لم يتفضل الله عليه بمغفرة ذنوبه، أوبقته خطاياه فِي الآخرة، قَالَ الله تعالى: {مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا} [الكهف: 17]، ومثل هَذَا كثير فِي القرآن، وَقَالَ تعالى: {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [فاطر: 2]، وَقَالَ: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات: 58]، وَقَالَ: {فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ} الآية [العنكبوت: 17]، وَقَالَ: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} [هود: 6]، وَقَالَ تعالى حاكيا عن آدم وزوجه عليهما السلام، أنهما قالا: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف: 23]، وعن نوح عليه الصلاة والسلام أنه قَالَ: {وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [هود: 47]، وَقَدْ استدل إبراهيم الخليل عليه السلام بتفرد الله بهذه الأمور، عَلَى أنه لا إله غيره، وأن كل ما أُشرِك معه باطل، فَقَالَ لقومه: {قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (75) أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ (76) فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ (77) الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (81) وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ} [الشعراء: 75 - 82].

فإن منْ تفرد بخلق العبد، وبهدايته وبرزقه وإحيائه وإماتته فِي الدنيا، وبمغفرة ذنوبه فِي الآخرة، مستحق أن يُفرَد بالإلهية والعبادة والسؤال والتضرع والاستكانة له، قَالَ الله عز وجل: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الروم: 40].

وفي الْحَدِيث دليل عَلَى أن الله يحب أن يسأله العباد، جميع مصالح دينهم ودنياهم، منْ الطعام والشراب والكسوة وغير ذلك، كما يسألونه الهداية والمغفرة، وفي الْحَدِيث: "ليسأل أحدكم ربه حاجته كلها حَتَّى شسع نعله إذا انقطع". وكان بعض السلف يسأل الله فِي صلاته كل حوائجه، حَتَّى ملح عجينه، وعلف شاته. وفي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015