الإسرائيليات: أن موسى عليه الصلاة والسلام قَالَ: يا رب، إنه لتعرض لي الحاجة منْ الدنيا، فأستحي أن أسألك، قَالَ: سلني حَتَّى ملح عجينك، وعلف حمارك، فإن كل ما يحتاج العبد إليه، إذا سأله منْ الله، فقد أظهر حاجته فيه، وافتقاره إلى الله، وذاك يحبه الله. وكان بعض السلف يستحي منْ الله أن يسأله شيئاً منْ مصالح الدنيا، والاقتداء بالسنة أولى.
وقوله: "كلكم ضال إلا منْ هديته": قد ظن بعضهم أنه معارض لحديث عياض بن حمار، عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، يقول الله عز وجل: "خلقت عبادي حنفاء"، وفي رواية: "مسلمين، فاجتالتهم الشياطين"، أخرجه مسلم.
وليس كذلك، فإن الله خلق بني آدم، وفطرهم عَلَى قبول الإِسلام، والميل إليه دون غيره، والتهيؤ والاستعداد له بالقوة، لكن لابد للعبد منْ تعلم الإِسلام بالفعل، فإنه قبل التعلم جاهل لا يعلم، كما قَالَ عز وجل: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا} [النحل: 78]، وَقَالَ لنبيه -صلى الله عليه وسلم-: {وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى} [الضحى: 7]. والمراد وجدك غير عالم بما علمك منْ الكتاب والحكمة، كما قَالَ تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى: 52]، فالإنسان يولد مفطورا عَلَى قبول الحق، فإن هداه الله تعالى سَبَّب له منْ يعلمه الهدى، فصار مهديا بالفعل، بعد أن كَانَ مهديا بالقوة، وإن خذله الله قيض له منْ يعلمه ما يغير فطرته، كما قَالَ -صلى الله عليه وسلم-: "كل مولود يولد عَلَى الفطرة، فأبواه يهودانه، وينصرانه، ويمجسانه".
وأما سؤال المؤمن منْ الله الهداية، فإن الهداية نوعان: هداية مجملة، وهي الهداية للإسلام والإيمان, وهي حاصلة للمؤمن، وهداية مفصّلة، وهي هدايته إلى معرفة تفاصيل أجزاء الإيمان والإِسلام، وإعانته عَلَى فعل ذلك، وهذا يحتاج إليه كل مؤمن ليلا ونهارا, ولهذا أمر الله عباده أن يقرأوا فِي كل ركعة منْ صلاتهم قوله: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة: 6]، وكان النبيّ -صلى الله عليه وسلم- يقول فِي دعائه بالليل: "اهدني لما اختُلف فيه منْ الحق بإذنك إنك تهدي منْ تشاء إلى صراط مستقيم"، أخرجه مسلم، ولهذا يُشَمَّت العاطس، فيقال له: "يرحمك الله"، فيقول: "يهديكم الله"، كما جاءت السنة بذلك، وإن أنكره منْ أنكره منْ فقهاء العراق؛ ظنا منهم أن المسلم لا يحتاج أن يدعى له بالهدى، وخالفهم جمهور العلماء؛ اتباعا للسنة فِي ذلك. وَقَدْ أمر النبيّ -صلى الله عليه وسلم-