وفي هَذَا الْحَدِيث نظر، ووهب بن خالد ليس بذلك المشهور بالعلم. وَقَدْ يُحمَل عَلَى أنه لو أراد تعذيبهم لقَدَّر لهم ما يعذبهم عليه، فيكون غير ظالم لهم حينئذ.
وكونه خلق أفعال العباد، وفيها الظلم، لا يقتضي وصفه بالظلم سبحانه وتعالى، كما أنه لا يوصف بسائر القبائح التي يفعلها العباد، وهي خلقه وتقديره، فإنه لا يوصف إلا بأفعاله، لا يوصف بأفعال عباده، فإن أفعال عباده مخلوقاته ومفعولاته، وهو لا يوصف بشيء منها، إنما يوصف بما قام به منْ صفاته وأفعاله. والله أعلم.
وقوله: "وجعلته بينكم مُحَرَّمًا، فلا تظالموا": يعني: أنه تعالى حرم الظلم عَلَى عباده، ونهاهم أن يتظالموا فيما بينهم، فحرام عَلَى كل عبد أن يظلم غيره، مع أن الظلم فِي نفسه محرم مطلقا، وهو نوعان:
[أحدهما]: ظلم النفس، وأعظمه الشرك، كما قَالَ تعالى: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13]، فإن المشرك جعل المخلوق فِي منزلة الخالق فعبده وتألهه، فهو وَضَعَ الأشياء فِي غير مواضعها، وأكثر ما ذكر فِي القرآن منْ وعيد الظالمين، إنما أريد به المشركون، كما قَالَ الله عز وجل: {وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [البقرة: 254]، ثم يليه المعاصي عَلَى اختلاف أجناسها، منْ كبائر وصغائر.
[والثاني]: ظلم العبد لغيره، وهو المذكور فِي هَذَا الْحَدِيث، وَقَدْ قَالَ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- فِي خطبته، فِي حجة الوداع: "إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هَذَا، فِي شهركم هَذَا، فِي بلدكم هَذَا". ورُوي عنه أنه خطب بذلك فِي يوم عرفة، وفي يوم النحر، وفي اليوم الثاني منْ أيام التشريق. وفي رواية: ثم قَالَ: "اسمعوا مني تَعِيشوا، ألا لا تظالموا، إنه لا يحل مال امريء مسلم، إلا عن طيب نفس منه".
وفي "الصحيحين"، عن ابن عمر، عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، أنه قَالَ: "إن الظلم ظلمات يوم القيامة". وفيهما عن أبي موسى، عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "إن الله ليملي للظالم، حَتَّى إذا أخذه لم يُفلِته، ثم قرأ: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود: 102]. وفي "صحيح البخاريّ" عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "منْ كانت عنده مظلمة لأخيه، فليتحلل منها، فإنه ليس ثَمَّ دينار، ولا درهم، منْ قبل أن يؤخذ لأخيه منْ حسناته، فإن لم يكن له حسنات، أخذ منْ سيئات أخيه، فطرحت عليه".
وقوله: "يا عبادي كلكم ضال إلا منْ هديته، فاستهدوني أهدكم، يا عبادي كلكم جائع إلا منْ أطعمته، فاستطعموني أطعمكم، يا عبادي كلكم عار إلا منْ كسوته،