مُلْكِي جَنَاحَ بَعُوضَةٍ، وَلَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَحَيَّكُمْ وَمَيِّتَكُمْ، وَرَطْبَكُمْ وَيَابِسَكُمُ، اجْتَمَعُوا عَلَى أَشْقَى قَلْبِ عَبْدٍ مِنْ عِبَادِي، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي جَنَاحَ بَعُوضَةٍ، وَلَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَحيَّكُمْ وَمَيِّتَكُمْ، وَرَطْبَكُمْ وَيابِسَكُمُ، اجْتَمَعُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، فَسَأَلَ كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْكُمْ مَا بَلَغَتْ أُمْنِيَّتُهُ، فَأَعْطَيْتُ كُلَّ سَائِلٍ مِنْكُمْ مَا سَأَلَ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي، إِلَّا كَمَا لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ مَرَّ بِالْبَحْرِ، فَغَمَسَ فِيهِ إِبْرَةً، ثُمَّ رَفَعَهَا إِلَيْهِ، ذَلِكَ بِأَنِّي جَوَادٌ مَاجِدٌ، أَفْعَلُ مَا أُرِيدُ، عَطَائِي كَلَامٌ، وَعَذَابِي كَلَامٌ، إِنَّمَا أَمْرِي لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْتُهُ، أَنْ أَقُولَ لَهُ: كُنْ فَيَكُونُ".

وهذا لفظ الترمذيّ، وَقَالَ: حديث حسن.

وخرّجه الطبراني بمعناه منْ حديث أبي موسى الأشعري، عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، إلا أن إسناده ضعيف.

وحديث أبي ذر -رضي الله عنه- قَالَ الإِمام أحمد: هو أشرف حديث لأهل الشام.

فقوله -صلى الله عليه وسلم-، فيما يرويه عن ربه: "يا عبادي إني حرمت الظلم عَلَى نفسي"، يعني أنه منع نفسه منْ الظلم لعباده، كما قَالَ عز وجل: {وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ}، وَقَالَ: {وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ} [آل عمران: 108]، وَقَالَ: {وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ} [غافر: 31]، وَقَالَ: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت: 46]، وَقَالَ: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا} الآية [يونس: 44]، وَقَالَ: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} الآية [النِّساء: 40]، وَقَالَ: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا} [طه: 112]، والهضم أن ينقص منْ جزاء حسناته، والظلم أن يعاقب بذنوب غيره، ومثل هَذَا كثير فِي القرآن.

وهو مما يدلّ عَلَى أن الله قادر عَلَى الظلم، ولكن لا يفعله فضلا منه، وجودا وكرما، وإحسانا إلى عباده.

وَقَدْ فسر كثير منْ العلماء الظلم: بأنه وضع الأشياء فِي غير مواضعها، وأما منْ فسره بالتصرف فِي ملك الغير بغير إذنه -وَقَدْ نقل نحوه عن إياس بن معاوية وغيره- فإنهم يقولون: إن الظلم مستحيل عليه، وغيرُه متصور فِي حقه؛ لأن كل ما يفعله فهو تصرف فِي ملكه، وبنحو ذلك أجاب أبو الأسود الدؤلي لعمران بن حصين، حين سأله عن القدر. وأخرج أبو داود وابن ماجه، منْ حديث أبي سنان سعيد بن سنان، عن وهب بن خالد الحمصي، عن ابن الديلمي، أنه سمع أبي بن كعب يقول: لو أن الله تعالى عذب أهل سمواته، وأهل أرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم، ولو رحمهم لكانت رحمته خيرا لهم منْ أعمالهم، وأنه أتى ابن مسعود، فَقَالَ له مثل ذلك، ثم أتى زيد بن ثابت، فحدثه عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بمثل ذلك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015