عنه بإسناده. وفي هَذَا بعدٌ، وإنما فُسِّر بهذا المعنى قول النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: "منْ فارق الجماعة قَيدَ شبر، فقد خلع رِبقةَ الإسلام منْ عنقه". رواه أبو داود 4758. فإن الأوزاعيّ فسّره بالبدعة، يخرُج إليها الرجل منْ الجماعة. فأما الخروج إلى البادية أحيانًا للتنزّه، ونحوه فِي أوقات الربيع، وما أشبهه، فقد ورد فيه رُخصة، ففي "سنن أبي داود" عن المقدام بن شُريح، عن أبيه، أنه سأل عائشة، هل كَانَ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- يبدو؟ فقالت: نعم إلى هذه التلاع، ولقد بدا مرّة، فأُتي بناقة مُجرّسة، فَقَالَ: "اركبيها يا عائشة، وارفُقي، فإن الرفق ما كَانَ فِي شيء إلا زانه، ولا نُزع منه إلا شانه". وأخرج مسلم آخر الْحَدِيث، دون أوله.
وورد النهي عنه، ففي "المسند" عن عقبة بن عامر -رضي الله عنه-، عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ: "هلاك أمتي فِي اللبن"، قيل: يا رسول الله ما اللبن؟ قَالَ: "تُحبّون اللبن، وتَدَعون الجماعات، والْجُمَع، وتَبْدُون". وفي إسناده ابن لَهيعة. وإن صحّ، فيُحمل عَلَى إطالة المقام بالبادية مدّة أيام كثرة اللبن كلّها، وهي مدّة طويلة، يدَعُون فيها الجُمَع، والجماعات. وعن أبي عبد الله الْجَدَليّ، قَالَ: فضل أهل الأمصار عَلَى أهل القرى، كفضل الرجال عَلَى النِّساء، وفضل أهل القرى عَلَى أهل الْكُفُور (?)، كفضل الأحياء عَلَى الأموات، وسُكّان الكُفُور كسُكّان القبور، وإن اللبن، والْعُشب ليأكلان إيمان العبد كما تأكل النار الحطب. أخرجه حُميد بن زنجويه، وروى بإسناده عن مكحول معنى أوله.
ونصّ أحمد فِي رواية مهنّا عَلَى كراهة الخروج إلى البادية لشرب اللبن، ونحوه، تنزّهًا لما به منْ ترك الجماعة، إلا أن يخرج لعلة، يعني أنه إذا خرج تداويًا لعلة به جاز، كما أذن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- للعرنيين لَمّا اجتووا المدينة أن يخرجوا إلى البادية؛ ليشربوا منْ ألبان الإبل، وأبوالها.
قَالَ ابو بكر الأثرم: النهي عن التبدّي محمول عَلَى سكنى البادية، والإقامة بها، فأما التبدّي ساعة، أو يومًا، ونحوه فجائز. انتهى.
وَقَدْ كَانَ السلف كثيرٌ منهم يخرج إلى البادية أيام الثمار، واللبن. قَالَ الْجُريريّ: كَانَ النَّاس يبدون هاهنا فِي الثمار، ثمار البصرة، وذكر منهم عبد الله بن شَقيق، وغيره. وكان علقمة يتبدّى إلى ظهر النجف.
وَقَالَ النخعيّ: كانت البداوة إلى أرض السواد أحبّ إليهم منْ البداوة إلى أرض