له: يا أبا عبد الرحمن قد أعشبت القفار، فلو ابتعت أعنُزًا، فتنزّهت تصحّ، فَقَالَ: لم يؤذن لأحد منا فِي البداءة، غير أسلم". وأسلم هي قبيلة سلمة بن الأكوع.
وَقَدْ ترخّص كثير منْ الصحابة منْ المهاجرين، وغيرهم فِي سُكنى البادية، كسعد بن أبي وقّاص، وسعيد بن زيد، فإنهما لزما منزلهما بالعقيق، فلم يكونا يأتيان المدينة فِي جمعة، ولا فِي غيرها، حَتَّى لحقا بالله عز وجل. أخرجه ابن أبي الدنيا فِي "كتاب العزلة". وكان أبو هريرة -رضي الله عنه- ينزل بالشجرة، وهي ذو الحليفة. وفي "صحيح البخاريّ" عن عطاء، قَالَ: ذهبت مع عُبيد بن عُمير إلى عائشة، وهي مجاورة بثَبِير، فقالت لنا: انقطعت الهجرة منذ فتح الله عَلَى نبيّه -صلى الله عليه وسلم- مكة. وفي رواية له: قَالَ: فسألناها عن الهجرة، فقالت: لا هجرة اليوم، كَانَ المؤمنون يفرّ أحدهم بدينه إلى الله، وإلى رسوله -صلى الله عليه وسلم-؛ مخافة أن يُفتن عديه، فأما اليوم، فقد أظهر الله الإسلام، والمؤمن يعبد ربه حيث شاء، ولكن جهاد ونية، وهذا يشعر بأنها إنما كانت تبدو؛ لاعتقادها انقطاع الهجرة بالفتح. وكان أنس بن مالك -رضي الله عنه- يسكن البصرة بالزاوية، خارج البصرة، وكان ربّما شهد الجمعة، وربّما لم يشهدها.
وَقَدْ نصّ أحمد عَلَى كراهة المقام بقرية لا يُقام فيها الجمعة، وإن أُقيمت فيها الجماعة. وَقَدْ يُحمل ذلك عَلَى منْ كَانَ بمصر جامع يُجمّع فيه، ثم تركه، وأقام بمكان، لا جمعة فيه. وفي كلامه إيماء إليه أيضاً. وَقَدْ يُحمل كلامه عَلَى كراهة التنزيه، دون التحريم.
فأما المقام بقرية لا جمعة فيها، ولا جماعة، فمكروه. وَقَدْ قَالَ أبو الدرداء لمعدان بن طلحة: أين تنزل؟ فَقَالَ: بقرية دون حمص، فَقَالَ له: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "ما منْ ثلاثة فِي قرية، ولا بدو، لا يؤذّن، ولا يقام فيهم الصلاة، إلا استحوذ عليهم الشيطان، فعليك بالجماعة، فإن الذئب يأكل القاصية". أخرجه النسائيّ -847 - ، وغيره. وأخرجه أحمد 5/ 196 و6/ 446 وأبو داود 547 مختصراً. وفي رواية لأحمد: "فعليك بالمدائن ويحك يا معدان".
وفي "المسند" أيضًا 5/ 232 - 233 عن معاذ -رضي الله عنه-، عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "إن الشيطان ذئب الإنسان، كذئب الغنم، يأخذ الشاة القاصية والناحية، فإياكم والشعاب، وعليكم بالجماعة، والعامة، والمساجد".
فنُهي عن سُكنى الشِّعاب، وهي البوادي، وأمر بسكنى الأماكن التي فيها عامة النَّاس، ومساجدهم، وجماعتهم. وَقَدْ رُوي عن قتادة أنه فسّر الشعاب فِي هَذَا الْحَدِيث بشعاب الأهواء المضلّة المخالفة لطريق الهدي المستقيم. أخرجه أبو موسى المدينيّ