الخولاني، أنه سمع حذيفة بن اليمان رضي الله تعالى عنهما، يقول: كَانَ النَّاس يسألون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الخير، وكنت أسأله عن الشر، مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله، إنا كنا فِي جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هَذَا الخير منْ شر؟ قَالَ: "نعم"، قلت: وهل بعد ذلك الشر منْ خير؟ قَالَ: "نعم، وفيه دَخَنٌ"، قلت: وما دخنه؟ قَالَ: "قوم يهدون بغير هديي، تَعْرِف منهم وتنكر"، قلت: فهل بعد ذلك الخير منْ شر؟ قَالَ: "نعم، دُعاة عَلَى أبواب جهنم، منْ أجابهم إليها قذفوه فيها" قلت: يا رسول الله صفهم لنا؟، قَالَ: "هم منْ جِلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا"، قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قَالَ: "تلزم جماعة المسلمين وإمامهم"، قلت: فإن لم يكن لهم جماعة، ولا إمام؟ قَالَ: "فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن تَعَضَّ بأصل شجرة، حَتَّى يُدركك الموت، وأنت عَلَى ذلك". انتهى "شرح البخاريّ لابن رَجَب" 1/ 107 - 109. بزيادة يسيرة. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلّق بهذا الْحَدِيث:
(المسألة الأولى): فِي درجته:
حديث أبي سعيد الخدريّ رضي الله تعالى عنه هَذَا أخرجه البخاريّ.
(المسألة الثانية): فِي بيان مواضع ذكر المصنّف له، وفيمن أخرجه معه:
أخرجه هنا -30/ 5038 - وأخرجه (خ) فِي "الإيمان" 19 و"بدء الخلق" 3300 و"المناقب" 3600 و"الرقاق" 6495 و"الفتن" 7088 و (د) فِي "الفتن والملاحم" 4267 (ق) فِي "الفتن" 3980 (أحمد) فِي "باقي مسند المكثرين" 10649 و10861. والله تعالى أعلم.
(المسألة الثالثة): فِي فوائده:
(منها): ما ترجم له المصنّف رحمه الله تعالى، وهو بيان أن الفرار منْ الفتن شعبة منْ شعب الإيمان، وَقَدْ تقدّم أن الإيمان والدين شيء واحد. وَقَدْ اعترض النوويّ رحمه الله تعالى فِي استدلال البخاريّ بهذا الْحَدِيث للترجمة؛ لأنه لا يلزم منْ لفظ الْحَدِيث عدّ الفرار دينًا، وإنما هو صيانة للدين. قَالَ: فلعلّه لما رآه صيانة للدين أطلق عليه اسم الدين. وَقَالَ غيره: إن أريد بـ"منْ" كونها جنسية، أو تبعيضيّة، فالنظر متّجه، وإن أُريد كونها ابتدائيّة: أي الفرار منْ الفتنة منشؤه الدين، فلا يتّجه النظر. أفاده فِي "الفتح" 1/ 99.
وَقَالَ الحافظ ابن رَجَب رحمه الله تعالى: بوّب البخاريّ رحمه الله تعالى عَلَى أن الفرار منْ الفتن منْ الدين، وليس فِي الْحَدِيث إلا الأشعار بفضل منْ يفرّ بدينه منْ