الانقياد، خفيفة المؤنة، كثيرة النفع.
(يَتَّبعُ بِهَا) بتشديد التاء، ويجوز إسكانها (شَعَفَ الْجِبَالِ) بفتح المعجمة، والعين المهملة: جمع شَعَفَة، كأَكَمٍ وأَكَمَةٍ: وهي رءوس الجبال، والمرعى فيها والماء، ولاسيما فِي بلاد الحجاز أيسر منْ غيرها. ووقع عند بعض رواة "الموطإ" -بضم أوله، وفتح ثانيه، وبالموحدة بدل الفاء، جمع شعبة-: وهي ما انفرج بين جبلين، ولم يختلفوا فِي أن الشين معجمة، ووقع لغير مالك كالأول، لكن السين مهملة. وَقَدْ وقع فِي حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عند مسلم نحو هَذَا الْحَدِيث، ولفظه: "ورجل فِي رأس شعبة منْ هذه الشعاب". قاله فِي "الفتح" 14/ 541 "كتاب الفتن".
(وَمَوَاقِعَ الْقَطْرِ) بالنصب عطفًا عَلَى "شَعَف": أي بطون الأودية، وخصّهما بالذكر؛ لأنهما مظانّ المرعى.
[فإن قيل]: لم قيّد الاتباع بشعف الجبال، ومواقع القطر؟. [أجيب]: بأنها أسلم غالبًا منْ المعادات المؤدّية إلى الكدورات.
(يَفِرُّ بِدِينِهِ) أي بسبب دينه، أو للمصاحبة، كما قوله تعالى: {اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا} [هود: 48]: أي يفرّ مصحبا دينه (مِنَ الْفِتَنِ) "منْ" ابتدائيّة.
والجملة الفعليّة فِي محلّ نصب عَلَى الحال، منْ الضمير المستتر فِي "يتبع"، أو منْ "مسلم"، ووقوع الحال منْ المضاف إليه جائز، إذا كَانَ المضاف يصحّ عمله فِي الحال، كالمصدر، واسم الفاعل، ونحوهما، نحو قوله تعالى: {إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا} [يونس: 4]، أو كَانَ المضاف جزءًا منْ المضاف إليه، نحو قوله تعالى: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا} [الحجر: 47]، ورأيت وجه هند قائمة، أو مثل جزء المضاف إليه فِي صحة الاستغناء بالمضاف إليه عنه، نحو قوله تعالى: {اتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} [النحل: 123]، إذ الملة كجزء منْ المضاف إليه، إذ يصحّ أن يقال فِي غير القرآن: اتبع إبراهيم حنيفًا، قَالَ فِي "الخلاصة":
وَلَا تُجِزْ حَالاً مِنَ الْمُضَافِ لَه ... إِلَّا إِذَا اقْتَضَى المُضَافُ عَمَلَه
أَوْ كَانَ جُزْءَ مَا لَهُ أُضِيفَا ... أَوْ مِثْلَ جُزْئِهِ فَلَا تَحِيفَا
وهنا المال لشدّة ملابسته لصاحبه كأنه جزء منه، فصح مجيء الحال منه. ويجوز أن تكون مستأنفة، استئنافا بيانيا، وهو ما وقع جوابا لسؤال مقدّر، تقديره هنا: لماذا يتبع شعف الجبال، ومواقع القطر، فَقَالَ: يفر بدينه منْ الفتن.
[فإن قيل]: لم قيّد الاتباع المذكور بالفرار بالدين؟. [أجيب]: بأنه للإشعار بأن هَذَا الاتباع ينبغي أن يكون استعصامًا للدين، لا للأمر الدنيويّ، كطلب كثرة العلف، وقلّة