رضي الله عنها، عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أنه قَالَ: "اكلَفُوا منْ العمل ما تُطيقون، فإن الله لا يملّ منْ الثواب، حَتَّى تملّوا منْ العمل". أخرجه بقيّ بن مَخْلّد، وفي إسناده موسى بن عُبيدة. أي وهو ضعيف (?).

وَقَدْ قيل: إنَّ "حَتَّى" هاهنا بمعنى واو العطف، ولكن لا يصحّ دعوى كون "حَتَّى" عاطفة؛ لأنها إنما تعطف المفردات، لا الجمل، هَذَا هو المعروف عند النحويين، وخالف فيه بعضهم. وقيل: إن "حَتَّى" فيه بمعنى "حين"، وهذا غير معروف. وزعم ابن قُتيبة أن المعنى: "لا يملّ إذا مللتم"، وزعم أن هَذَا الاستعمال معروفٌ فِي كلام العرب. وَقَدْ يقال: إن "حَتَّى" بمعنى لام التعليل، وأن المراد أن الله لا يمل لكي تملوا أنتم منْ العمل. وفيه بُعدٌ أيضًا. ولو كَانَ كذلك لقال: حَتَّى لا تملّوا، ويكون التعليل حينئذ بإعلامهم بأن الله لا يملّ منْ العطاء، فيكون إخبارهم بذلك مقتضيًا لمداومتهم عَلَى العمل، وعدم مللهم، وسآمتهم. وَقَدْ يقال: إنما يدلّ هَذَا الكلام عَلَى نسبة الملل، والسآمة إلى الله بطريق مفهوم الغاية، ومن يقول: إنه لا مفهوم لها، فإنه يمنع منْ دلالة الكلام عَلَى ذلك بالكلّيّة. ومن يقول بالمفهوم، فإنه يقول: متى دلّ الدليل عَلَى انتفائه لم يكن مراداً منْ الكلام، وَقَدْ دلت الأدلّة عَلَى انتفاء النقائص والعيوب عن الله تعالى، ومن جملة ذلك لحوق السآمة والملل له. ولكن بعض أصحابنا ذكر أن دلالة مفهوم الغاية كالمنطوق، بمعنى أنه لا يجوز أن يكون ما بعد الغاية موافقًا لما قبلها بمفهوم الموافقة، أو غيره. فعلى قوله يتعيّن فِي هَذَا الْحَدِيث أحد الأجوبة المتقدّمة. والله سبحانه وتعالى أعلم. انتهى كلام ابن رَجَب رحمه الله تعالى فِي "شرح البخاريّ" 1/ 165 - 167.

قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: قد تقدّم هَذَا البحث فِي 9/ 484 - 487 فِي "كتاب الصلاة" -31/ 762 - باب "المصلّي يكون بينه وبين الإمام سترة"، وذكرت هناك ما قاله العلماء منْ التأويلات لهذا الْحَدِيث، وقلت: إنه ليس فى هَذَا الْحَدِيث إثبات الملل لله عز وجل صريحًا، بل هو منْ باب مفهوم المخالفة، وأما صريحه، فنفي الملل عنه، فلا ينبغي أن نثبت به صفة الملل، فالأولى عندي قول بعضهم: إن "حَتَّى" بمعنى الواو، وليست للغاية، وهو قول ابن السيد، قاله فِي قول امرىء القيس [منْ الطويل]:

سَرَيتُ بِهمْ حَتَّى تَكِلُّ مَطِيُّهُمْ ... وَحَتَّى الْجِيَادُ مَا يُقَدْنَ بِأَرْسَانِ

فيمن رفع "تكلّ"، قَالَ: جملة "تكلّ مطيُّهم" معطوفةٌ عَلَى "سريت بهم". ذكره ابن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015