عند الله تعالى، أما بالنظر إدى ما عندنا، فالإيمان هو الإقرار فقط، فمن أقر أُجريت عليه الأحكام فِي الدنيا، ولم يحكم عليه بكفر، إلا إن اقترن به فعلٌ يدلّ عَلَى كفره، كالسجود للصنم، فإن كَانَ الفعل لا يدلّ عَلَى الكفر، كالفسق، فمن أطلق عليه الإيمان، فبالنظر إلى إقراره، ومن نفى عنه الإيمان، فبالنظر إلى كماله، ومن أطلق عليه الكفر، فبالنظر إلى أنه فَعَل فعل الكافر، ومن نفاه عنه، فبالنظر إلى حقيقته، وأثبتت المعتزلة الواسطه، فقالوا: الفاسق لا مؤمن، ولا كافر.
[وأما المقام الثاني]: فذهب السلف إلى أن الإيمان يزيد وينقص، وأنكر ذلك أكثر المتكلمين، وقالوا: متى قَبِل ذلك كَانَ شكا، قَالَ الشيخ محيى الدين: والأظهر المختار، أن التصديق يزيد وينقص بكثرة النظر، ووضوح الأدلة، ولهذا كَانَ إيمان الصديق أقوى منْ إيمان غيره، بحيث لا يعتريه الشبهة، ويؤيده أن كل أحد يعلم أن ما فِي قلبه يتفاضل، حَتَّى إنه يكون فِي بعض الأحيان الإيمان أعظم يقينا، وإخلاصًا، وتوكلا منه فِي بعضها، وكذلك فِي التصديق والمعرفة، بحسب ظهور البراهين وكثرتها، وَقَدْ نقل محمد بن نصر المروزي فِي كتابه "تعظيم قدر الصلاة" عن جماعة منْ الأئمة نحو ذلك، وما نقل عن السلف، صَرح به عبد الرزاق فِي "مصنفه" عن سفيان الثوري، ومالك بن أنس، والأوزاعي، وابن جريج، ومعمر، وغيرهم، وهؤلاء فقهاء الأمصار فِي عصرهم، وكذا نقله أبو القاسم اللالكائي فِي "كتاب السنة" عن الشافعيّ، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وأبي عبيد، وغيرهم منْ الأئمة، ورَوَى بسنده الصحيح عن البخاريّ، قَالَ: لقيت أكثر منْ ألف رجل، منْ العلماء بالأمصار، فما رأيت أحدا منهم، يختلف فِي أن الإيمان قول وعمل، ويزيد وينقص، وأطنب ابن أبي حاتم، واللالكائي فِي نقل ذلك بالأسانيد، عن جمع كثير منْ الصحابة، والتابعين، وكل منْ يدور عليه الإجماع منْ الصحابة والتابعين، وحكاه فضيل بن عياض، ووكيع عن أهل السنة والجماعة. وَقَالَ الحاكم فِي "مناقب الشافعيّ": حدثنا أبو العبّاس الأصم، أخبرنا الربيع، قَالَ: سمعت الشافعيّ يقول: الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص، أخرجه أبو نعيم فِي ترجمة الشافعيّ منْ "الحلية" منْ وجه آخر، عن الربيع، وزاد: يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية, ثم تلا: {وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا} الآية [المدثر: 31] انتهى "فتح" 1/ 68 - 69.
وَقَالَ فِي "الفتح" أيضًا فِي موضع آخر: قد نقل أبو عوانة الإسفرايني فِي "صحيحه" عن المزني، صاحب الشافعيّ، الجزم بأنهما -أي الإيمان والإسلام- عبارة عن معنى واحد، وأنه سمع ذلك منه، وعن الإمام أحمد الجزم بتغايرهما، ولكل منْ القولين أدلة