الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} [الحجرات: 14]: أي لم تُصدّقوا، إنما أسلمتم تعوّذًا منْ القتل، فالمؤمن مُبطنٌ منْ التصديق مثل ما يُظهر، والمسلم التامّ الإسلام، مظهر للطاعة، مؤمن بها، والمسلم الذي أظهر الإسلام تعوّذًا غير مؤمن فِي الحقيقة، إلا أن حكمه فِي الظاهر حكم المسلمين، وَقَالَ الله تعالى حكايةَ عن قول إخوة يوسف -عليه السلام- لأبيهم: {وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ} [يوسف: 17]: لم يختلف أهل التفسير أن معناه: ما أنت بمصدّق لنا، والأصل فِي الإيمان الدخول فِي صدق الأمانة التي ائتمنه الله عليها، فإذا اعتقد التصديق بقلبه، كما صدق بلسانه، فقد أدّى الأمانة، وهو مؤمن، ومن لم يعتقد التصديق بقلبه، فهو غير مؤدٍّ للأمانة التي ائتمنه الله عليها، وهو منافقٌ، ومن زعم أن الإيمان هو إظهار القول، دون التصديق بالقلب، فإنه لا يخلو منْ وجهين: [أحدهما]: أن يكون منافقًا يَنضَح عن المنافقين، تأييدًا لهم، أو يكون جاهلاً، لا يعلم ما يقول، وما يُقال له، أخرجه الجهل، واللَّجَاج إلى عناد الحقّ، وترك قبول الصواب، أعاذنا الله منْ هذه الصفة، وجعلنا ممن علم، فاستعمل ما علم، أو جهل، فتعلّم ممن علم، وسلمنا منْ آفات أهل الزيغ، والبدع بمنّه، وكرمه.
وفي قوله عز وجل: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [الحجرات: 15] ما يُبيّن لك أن المؤمن هو المتضمّن لهذه الصفة، وأن منْ لم يتضمّن هذه الصفة، فليس بمؤمن؛ لأن "إنما" فِي كلام العرب تجيء لتثبيت شيء، ونفي ما خالفه، ولا قوّة إلا بالله. انتهى "لسان العرب" 13/ 23 - 24. وهو تحقيق نفيس جدًّا. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الثانية): فِي أن الإيمان قول، وعمل، ويزيد وينقص:
قَالَ فِي "الفتح": والكلام هنا فِي مقامين: [أحدهما]: كونه قولا وعملا. [والثاني]: كونه يزيد وينقص، فأما القول: فالمراد به النطق بالشهادتين، وأما العمل: فالمراد به ما هو أعم منْ عمل القلب والجوارح؛ ليدخل الاعتقاد والعبادات، ومراد منْ أدخل ذلك فِي تعريف الإيمان، ومن نفاه، إنما هو بالنظر إلى ما عند الله تعالى، فالسلف قالوا: هو اعتقاد بالقلب، ونطق باللسان، وعمل بالأركان، وأرادوا بذلك أن الأعمال شرط فِي كماله، ومن هنا نشأ لهم القول بالزيادة والنقص، كما سيأتي. والمرجئة قالوا: هو اعتقاد، ونطق فقط، والكرامية قالوا: هو نطق فقط، والمعتزلة قالوا: هو العمل والنطق والاعتقاد، والفارق بينهم وبين السلف أنهم جعلوا الأعمال شرطا فِي صحته، والسلف جعلوها شرطا فِي كماله، وهذا كله كما قلنا بالنظر إلى ما