لطائف هَذَا الإسناد:
(منها): أنه منْ سباعيات المصنّف رحمه الله تعالى. (ومنها): أن رجاله كلهم رجال الصحيح. (ومنها): أن شيخه أحد مشايخ الأئمة الستّة بلا واسطة. (ومنها): أنه مسلسل بالبصريين. (ومنها): أن فيه ثلاثة منْ التابعين يروي بعضهم عن بعض: قتادة، عن النضر، عن بَشِير بن نَهِيك، ورواية بشير عن النضر منْ روايهَ الأقران. (ومنها): أن فيه أبا هريرة -رضي الله عنه- منْ المكثرين السبعة، روى (5374) حديثًا. والله تعالى أعلم.
شرح الْحَدِيث
(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) -رضي الله عنه- (عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ: "مَنِ اطَّلَعَ فِي بَيْتِ قَوْمٍ، بِغَيْرِ إِذْنِهِمْ، فَفَقَئُوا عَيْنَهُ، فَلاَ دِيَةَ لَهُ، وَلاَ قِصَاصَ) ولفظ مسلم: "منْ اطلع فِي بيت قوم بغير إذنهم، فقد حلّ لهم أن يفقؤوا عينه".
قَالَ القرطبيّ رحمه الله تعالى: هَذَا نصّ فِي الإباحة، والتحليل، وعلى هَذَا فلا ضمان، ولا دية إذا وقع ذلك، ولا يُستبعد هَذَا منْ الشرع، فإنه عقوبة عَلَى جناية سابقة، غير أن هَذَا خرج مخرج التعزيرات، لا مخرج الحدود، ألا ترى قوله: "فقد حلّ"، ولم يقُل: فقد وجب، وإنما مقصود هَذَا الْحَدِيث إسقاط الْقَوَد، والمؤاخذة بذلك، إن وقع ذلك.
وَقَالَ أيضًا: هَذَا ظاهر قويّ فِي الذي قرّرناه، ويفيد أيضًا أن هَذَا الحكم جار فيمن اطّلع عَلَى عورة الإنسان، وإن لم يكن منْ باب، فإن قوله: "اطّلع عليك" -يعني فِي الْحَدِيث التالي- يتناول كلَّ مُطّلع كيفما كَانَ، ومن أي جهة كَانَ، بل يتعين أن يقال: إن الشرع إذا علّق هَذَا الحكم عَلَى الاطّلاع فِي البيت؛ لأنه مظنّة الاطّلاع عَلَى العورة، فلأَنْ يُعلّق عَلَى نفس الاطّلاع عَلَى العورة أحرى، وأولى، وهذا نظرٌ راجحٌ، غير أن أصحابنا -يعني المالكيّة- حكوا الإجماع عَلَى أن منْ اطّلع عَلَى عورة رجل بغير إذنه، ففقأ عينه أنه لا يَسقط عنه الضمان، كما ذكرنا، فإن صحّ هَذَا الإجماع، فهو واجب الاتّباع، وإن وُجد خلافٌ، فما ذكرناه هو الإنصاف. انتهى "المفهم" 5/ 481 - 482.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: قد عرفت فيما سبق قريبًا عدم صحة دعوى الإجماع، وإنما هو اتفاق أهل المدينة فقط، فلا تغفل. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسألتان تتعلّقان بهذا الْحَدِيث:
(المسألة الأولى): فِي درجته:
حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- هَذَا متّفقٌ عليه.