قَالَ ابن بطال رحمه الله تعالى: اتفق أئمة الفتوى عَلَى أنه لا يجوز لأحد أن يقتص منْ حقه، دون السلطان، قَالَ: وإنما اختلفوا فيمن أقام الحد عَلَى عبده، كما تقدم تفصيله.
قَالَ: وأما أخذ الحق، فإنه يجوز عندهم أن يأخذ حقه منْ المال خاصة، إذا جحده إياه، ولا بينة عليه.
ثم أجاب عن حديث الباب بأنه خرج عَلَى التغليظ، والزجر عن الاطلاع عَلَى عورات النَّاس. انتهى.
قَالَ الحافظ: فأما نقله الاتفاق فكأنه استند فيه إلى ما أخرجه إسماعيل القاضي، فِي نسخة أبي الزناد، عن الفقهاء الذين يُنتَهَى إلى قولهم: ومنه: لا ينبغي لأحد أن يقيم شيئا منْ الحدود، دون السلطان، إلا أن للرجل أن يقيم حد الزنا عَلَى عبده. وهذا إنما هو اتفاق أهل المدينة، فِي زمن أبي الزناد.
وأما الجواب، فإن أراد أنه لا يُعمل بظاهر الخبر، فهو محل النزاع. انتهى.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: قد تقدّم فِي مسائل الْحَدِيث الماضي أن الأرجح جواز فقأ عين منْ اطّلع فِي بيت إنسان بغير إذنه؛ لصحة الخبر بذلك، وأما جواز القصاص فِي النفس، أو الطرف، دون إذن السلطان، فقد سبق آنفًا وجه استنباطه منْ أحاديث الباب.
وأما أخذ الحقّ منْ المال، فله أيضًا أدلة أخرى، كحديث قضيّة هند بن عتبة امرأة أبي سفيان رضي الله تعالى عنهما، فقد أخرج الشيخان منْ حديث عائشة رضي الله عنها، قالت: جاءت هند بنت عتبة بن ربيعة، فقالت: يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل مِسِّيك، فهل علي حَرَجٌ، أن أطعم منْ الذي له عيالنا؟ فَقَالَ: "لا حرج عليك، أن تطعميهم بالمعروف".
وفي رواية: قالت: يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل شَحِيحٌ، وليس يعطيني ما يكفيني، وولدي إلا ما أخذت منه، وهو لا يعلم؟ فَقَالَ: "خذي ما يكفيك، وولدك بالمعروف".
وأخرج الشيخان أيضًا منْ حديث عقبة بن عامر -رضي الله عنه- قَالَ: قلنا للنبي -صلى الله عليه وسلم-: إنك تبعثنا، فننزل بقوم، لا يَقرونا، فما ترى فيه؟ فَقَالَ لنا: "إن نزلتم بقوم، فأُمر لكم بما ينبغي للضيف، فاقبلوا، فإن لم يفعلوا، فخذوا منهم حَقَّ الضيف".
وَقَدْ استدلّ الإمام البخاريّ رحمه الله تعالى فِي "صحيحه"، بحديث عقبة -رضي الله عنه- هَذَا عَلَى جواز الأخذ منْ مال ظالمه، فترجم بقوله: "باب قصاص المظلوم إذا وَجد مال ظالمه"، وَقَالَ ابن سيرين يُقاصّ، وقرأ: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} الآية [النحل: 126].