والمراد تسريح شعره -رضي الله عنه-، فهو بمعنى رواية مسلم بلفظ: "ومع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مِدْرًى يُرَجّل به رأسه". وترجيل الشعر: تسريحه، ومَشطه. (فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ: "لَوْ عَلِمْتُ أَنَّكَ تَنْظُرُنِي) وفي رواية البخاريّ: "لو أعلم أنك تنتظرني"، ولمسلم: "لو علمت أنك تنتظرني"، قَالَ النوويّ: هكذا هو فِي أكثر النسخ، أو كثير منها، وفي بعضها: "تنظرني"، بحذف التاء الثانية، قَالَ القاضي: الأول رواية الجمهور، قَالَ: والصواب الثاني. انتهى.

(لَطَعَنْتُ بهِ) أي بهذا المدرى (فِي عَيْنِكَ) بالإفراد، وفي رواية عند البخاريّ: "فِي عينيك" بالتثنيَة. قَالَ فِي "الفتح": وهذا مما يقوي تعدد القصّة؛ لأنه فِي حديث أنس -رضي الله عنه- جزم بأنه اطّلع، وأراد أن يطعنه، وفي حديث سهل -رضي الله عنه- علّق طعنه عَلَى نظره. انتهى.

قَالَ أبو العبّاس القرطبيّ رحمه الله تعالى: يمكن أن يُحمل حديث سهل، وأنس رضي الله تعالى عنهما عَلَى أن الذي همّ به النبيّ -صلى الله عليه وسلم- منْ طعن الْمُطَّلع عَلَى الخصوص ببيِت النبيّ -صلى الله عليه وسلم-؛ لعِظَم حرمته، وحرمة أهل بيته، غير أن حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- يقتضي إباحة ذلك عامّة فِي بيته، وبيت غيره، فإنه قَالَ فيه: "منْ اطّلَعَ فِي بيت قوم بغير إذنهم، فقد حلّ لهم أن يفقؤوا عينه" (?)، فإذًا هَذَا الحكم ليس مخصوصًا به. انتهى "المفهم" 5/ 481.

قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: هَذَا الذي قرره القرطبيّ رحمه الله تعالى أخيرًا منْ عدم كونه مخصوصًا بالنبيّ -صلى الله عليه وسلم- هو الحقّ؛ للنصوص الواضحة فيه. والله تعالى أعلم.

(إِنَّمَا جُعِلَ الإِذْنُ مِنْ أَجْلِ الْبَصَرِ) وفي رواية للبخاريّ: "منْ قِبَل البصر"، وفي رواية "النظر" بدل "البصر". قَالَ النوويّ: قوله -صلى الله عليه وسلم-: "إنما جُعل الإذن منْ أجل البصر": معناه أن الاستئذان مشروعٌ، ومأمور به، وإنما جُعل؛ لئلا يقع البصر عَلَى الحرام، فلا يحلّ لأحد أن ينظر فِي جُحْر باب، ولا غيره، مما هو متعرّض فيه لوقوع بصره عَلَى امرأة أجنبيّة. انتهى "شرح مسلم" 14/ 137 - 138. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.

مسائل تتعلّق بهذا الْحَدِيث:

(المسألة الأولى): فِي درجته:

حديث سهل بن سعد الساعديّ -رضي الله عنه- هَذَا متّفقٌ عليه.

(المسألة الثانية)؛ فِي بيان مواضع ذكر المصنّف له، وفيمن أخرجه معه:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015