وقوله تعالى: {تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ}: أنث الضمير مراعاة للفظ الجوارح، إذ هو جمع جارحة، ولا خلاف بين العلماء فِي شرطين فِي التعليم، وهما: أن ياتمر إذا أُمر، وينزجر إذا زُجر، لا خلاف فِي هذين الشرطين فِي الكلاب، وما فِي معناها، منْ سباع الوحوش، واختلف فيما يصاد به الطير، فالمشهور أن ذلك مشترط فيها عند الجمهور، وذكر ابن حبيب منْ المالكيّة أنه لا يشترط فيها أن تنزجر إذا زجرت، فإنه لا يتأتى ذلك فيها غالبا، فيكفي أنها إذا أُمرت أطاعت. وَقَالَ ربيعة: ما أجاب منها إذا دعي فهو المعلم الضاري؛ لأن أكثر الحيوان بطبعه ينشلي -أي يغرى- وَقَدْ شرط الشافعيّ، وجمهور منْ العلماء فِي التعليم، أن يمسك عَلَى صاحبه، ولم يشترطه مالك فِي المشهور عنه، والأول أصح.

وقوله تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ}: أي حبسن لكم، واختلف العلماء فِي تأويله، فَقَالَ ابن عباس، وأبو هريرة، والنخعي، وقتادة، وابن جبير، وعطاء بن أبي رباح، وعكرمة والشافعي، وأحمد، وإسحق، وأبو ثور، والنعمان وأصحابه: المعنى ولم يأكل، فإن أكل لم يؤكل ما بقي؛ لأنه أمسك عَلَى نفسه، ولم يمسك عَلَى ربه.

وَقَالَ سعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن عمر، وسلمان الفارسي، وأبو هريرة فِي رواية عنه: المعنى وإن أكل، فإذا أكل الجارح كلبا كَانَ، أو فهدا، أو طيرا، أُكل ما بقي منْ الصيد وإن لم يبق إلا بضعة، وهذا قول مالك، وجميع أصحابه، وهو القول الثاني للشافعي.

وقول الأولين هو الصواب؛ لما روى مسلم فِي "صحيحه" منْ عديّ بن حاتم -رضي الله عنه-, مرفوعًا: "وإذا أكل فلا تأكل، فإنما أمسك عَلَى نفسه"، وهذا نص صريح يرد عَلَى القول الثاني، فتبصّر.

وقوله تعالى: {وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ}: أمر بالتسمية قيل: عند الإرسال عَلَى الصيد، وقيل المراد: بالتسمية هنا التسمية عند الأكل، والحقّ أنه يشمل الأمرين.

وقوله تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ} أمر بالتقوى عَلَى الجملة، والإشارة القريبة هي ما تضمنته هذه الآيات منْ الأوامر.

وقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} لأنه تعالى قد أحاط بكل شيء علما، وأحصى كل شيء عددا، فلا يحتاج إلى محاولة عَدٍّ، ولا عقد، كما يفعله الْحُسّاب، ولهذا قَالَ: {وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ}، فهو سبحانه يحاسب الخلائق دفعة واحدة. ويحتمل أن يكون المراد به الوعيد بيوم القيامة، كأنه قَالَ: إن حساب الله لكم سريع إتيانه، إذ يوم القيامة قريب. ويحتمل أن يريد بالحساب المجازاة، فكأنه توعد فِي الدنيا بمجازاة سريعة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015