هي التي ضرب بها سراقة بن مالك بن جعشم، حين اتبع النبيّ -صلى الله عليه وسلم- وأبا بكر، وقت الهجرة، وإنما قيل لهذا الفعل استقسام؛ لأنهم كانوا يستقسمون به الرزق، وما يريدون، كما يقال: الاستسقاء فِي الاستدعاء للسقي، ونظير هَذَا الذي حرمه الله تعالى، قول المنجم لا تخرج منْ أجل نجم كذا، واخرج منْ أجل نجم كذا.

[والنوع الثاني]: سبعة قداح، كانت عند هُبَل، فِي جوف الكعبة، مكتوب عليها ما يدور بين النَّاس منْ النوازل، كل قِدْح منها فيه كتاب، قدحٌ فيه العقل منْ أمر الديات، وفي آخر "منكم"، وفي آخر "منْ غيركم"، وفي آخر "مُلصق"، وفي سائرها أحكام المياه وغير ذلك.

وهي التي ضرب بها عبد المطلب عَلَى بنيه، إذ كَانَ نذر نحر أحدهم، إذا كملوا عشرة، الخبر المشهور، ذكره ابن اسحق.

وهذه السبعة أيضا كانت عند كل كاهن منْ كهان العرب، وحُكّامهم عَلَى نحو ما كانت فِي الكعبة عند هُبَل.

[والنوع الثالث]: هو قِداح الميسرِ، وهي عشرة: سبعة منها فيها حظوظ، وثلاثة أغفال، وكانوا يضربون بها مُقامرةً، لهوا ولعبًا، وكان عقلاؤهم يقصدون بها إطعام المساكين، والمعدم فِي زمن الشتاء، وكَلَبِ البرد وتعذر التَّحَرُّف.

وقوله تعالى: {ذَلِكُمْ فِسْقٌ}: إشارة إلى الاستقسام بالأزلام، والفسق الخروج، وقيل: يرجع إلى جميع ما ذكر منْ الاستحلال لجميع هذه المحرمات، وكل شيء منها فسق، وخروج منْ الحلال إلى الحرام، والانكفاف عن هذه المحرمات منْ الوفاء بالعقود، إذ قَالَ أوفوا بالعقود.

وقوله تعالى: {الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ}: يعني أن ترجعوا إلى دينهم كفارا، قَالَ الضحاك: نزلت هذه الآية حين فتح مكة، وذلك أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فتح مكة لثمان بقين منْ رمضان سنة تسع، ويقال سنة ثمان، ودخلها، ونادى منادي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ألا منْ قَالَ: لا إله إلا الله فهو آمن، ومن وضع السلاح فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن".

وقوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ}: وذلك أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- حين كَانَ بمكة، لم تكن إلا فريضة الصلاة وحدها، فلما قدم المدينة أنزل الله الحلال والحرام، إلى أن حج، فلما حج، وكمل الدين نزلت هذه الآية: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} الآية.

وقوله تعالى: {وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي}: أي بإكمال الشرائع والأحكام، وإظهار دين الإسلام، كما وعدتكم، إذ قلت: {وَلِأُتِمَّ نِعْمَتيِ عَلَيْكُمْ} [البقرة: 150] وهي دخول مكة آمنين مطمئنين، وغير ذلك مما انتظمته هذه الملة الحنيفية، إلى دخول الجنة فِي رحمة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015