وقوله تعالى: {يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا}: قَالَ فيه جمهور المفسرين: معناه: يبتغون الفضل والأرباح فِي التجارة، ويبتغون مع ذلك رضوانه. قَالَ ابن عطية رحمه الله تعالى: هذه الآية استئلاف منْ الله تعالى للعرب، ولُطف بهم؛ لتنبسط النفوس، ويتداخل النَّاس، ويردون الموسم، فيستمعون القرآن، ويدخل الإيمان فِي قلوبهم، وتقوم عندهم الحجة، كالذي كَانَ، وهذه الآية نزلت عام الفتح، فنسخ الله ذلك كله بعدَ عام سنةَ تسع، إذ حج أبو بكر -رضي الله عنه-، ونودي النَّاس بسورة براءة.

وقوله تعالى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا}: أمر إباحة بإجماع النَّاس، رفع ما كَانَ محظورا بالإحرام، حكاه كثير منْ العلماء، قَالَ القرطبيّ: وليس بصحيح، بل صيغة افْعَلْ الواردة بعد الحظر عَلَى أصلها، منْ الوجوب، وهو مذهب القاضي أبي الطيب وغيره؛ لأن المقتضى للوجوب قائم، وتقدم الحظر لا يصلح ما نعا، دليله قوله تعالى: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ}، فهذه "افعل" عَلَى الوجوب؛ لأن المراد بها الجهاد، وإنما فهمت الإباحة هناك، وما كَانَ مثله، منْ قوله: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا}، {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ}، منْ النظر إلى المعنى، والإجماعِ، لا منْ صيغة الأمر. والله أعلم. انتهى.

وقوله تعالى: {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}: أي لا يَحمِلَنَّكم، وهو يتعدى إلى مفعولين، يقال: جَرَمني كذا عَلَى بغضك: أي حملني عليه.

وقيل: معنى: {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ}: أي لا يَكسِبَنكم بغضُ قومٍ أن تعتدوا الحق إلى الباطل، والعدل إلى الظلم.

قيل: لما صُدَّ المسلمون عن البيت عام الحديبية، مَرَّ بهم ناس منْ المشركين، يريدون العمرة، فَقَالَ المسلمون: نصدهم كما صدنا أصحابهم، فنزلت هذه الآية: أي لا تعتدوا عَلَى هؤلاء، ولا تصدوهم {أَنْ صَدُّوكُمْ}: أي صدّكم أصحابهم، فـ"أن" بفتح الهمزة مفعول منْ أجله: أي لأن صدوكم.

وقوله: {أَنْ تَعْتَدُوا}: فِي موضع نصب، لأنه مفعول به: أي لا يجرمنكم شنآن قوم الاعتداءَ.

وقوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى}: قَالَ الأخفش: هو مقطوع منْ أول الكِلام، وهو أمر لجميع الخلق بالتعاون عَلَى البر والتقوى: أي ليُعِنْ بعضكم بعضا، وتَحَاثُّوا عَلَى ما أمر الله تعالى، واعملوا به، وانتهوا عما نهى الله عنه، وامتنعوا منه، وهذا موافق لما روي عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، أنه قَالَ: "الدال عَلَى الخير كفاعله" (?)، وَقَدْ قيل:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015