إلا الصيد، وأنتم محرمون. وقيل: هو مستثنى مما يليه منْ الاستثناء، فيصير بمنزلة قوله عز وجل: {قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ إِلَّا آلَ لُوطٍ} الآية [الحجر: 58, 59]، وفيه: أنه لو كَانَ كذلك لوجب إباحة الصيد فِي الإحرام؛ لأنه مستثنى منْ المحظور، إذ كَانَ قوله تعالى: {إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُم} مستثنى منْ الإباحة، وهذا وجه ساقط، فإذًا معناه: أحلت لكم بهيمة الأنعام، غير محلي الصيد وأنتم حرم، إلا ما يتلى عليكم، سوى الصيد. ويجوز أن يكون معناه أيضا: أوفوا بالعقود غير محلي الصيد، وأحلت لكم بهيمة الأنعام، إلا ما يتلى عليكم.

وأجاز الفراء أن يكون {إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُم} فِي موضع رفع عَلَى البدل، عَلَى أن يعطف بـ"إلا" كما يعطف بـ"لا"، ولا يجيزه البصريون إلا فِي النكرة، أو ما قاربها منْ أسماء الأجناس، نحو جاء القوم إلا زيدٌ.

وقوله تعالى: {وَأَنتُم حُرُمٌ}: يعني الإحرام بالحج والعمرة، يقال رجل حرام، وقوم حُرُم: إذا أحرموا بالحج، ومنه قول الشاعر [منْ الطويل]:

فَقُلْتُ لَهَا فِيئِي إِلَيْك فَإِنَّنِي ... حَرَامٌ وَإِنِّي بَعْدَ ذَاكِ لَبِيبُ

أي مُلَبٍّ، وسُمي ذلك إحراما؛ لما يُحَرِّمه مَن دخل فيه عَلَى نفسه، منْ النِّساء، والطيب، وغيرهما، ويقال: أحرم: دخل فِي الحرم، فيحرم صيد الحرم أيضا.

وقوله تعالى: {إِنَّ اَللهَ يَحكُمُ مَا يُرِيدُ}: تقوية لهذه الأحكام الشرعية، المخالفة لمعهود أحكام العرب، أي فأنت يا محمد، السامع لنسخ تلك التي عُهِدت منْ أحكامهم تنبه، فإن الذي هو مالك الكل، يحكم ما يريد، {لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ}، يُشرع ما يشاء كما يشاء.

وقوله تعالى: {لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ}: خطاب للمؤمنين حقا: أي لا تتعدوا حدود الله فِي أمر منْ الأمور، والشعائر جمع شعيرة، عَلَى وزن فعيلة، وَقَالَ ابن فارس: ويقال للواحدة: شِعَارة، وهو أحسن، والشعيرة: البدنة تُهدَى، وإشعارها أن يحز سنامها حَتَّى يسيل منه الدم، فيعلم أنها هدى، والإشعار: الإعلام عن طريق الإحساس، يقال: أشعر هديه: أي جعل له علامة ليعرف أنه هدى، ومنه المشاعر: المعالم واحدها مَشعَر، وهي المواضع التي قد أُشعرت بالعلامات.

فالشعائر عَلَى قولٍ: ما أُشعر منْ الحيوانات؛ لتهدى إلى بيت الله، وعلى قولٍ: جميعُ مناسك الحج، قاله ابن عباس. وَقَالَ مجاهد: الصفا والمروة، والهدي، والبدن، كل ذلك منْ الشعائر. وكان المشركون يحجون، ويعتمرون، ويُهدون، فأراد المسلمون أن يُغِيروا عليهم، فأنزل الله تعالى: {لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ}. وَقَالَ عطاء بن أبي رباح:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015