قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: عندي أن المذهب الأول هو الأرجح؛ لظاهر حديث عمرو بن حزم. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الخامسة): فِي أقوال أهل العلم فِي اللسان إذا قُطع:

قَالَ ابن قُدامة رحمه الله تعالى: أجمع أهل العلم عَلَى وجوب الدية فِي لسان الناطق، ورُوي ذلك عن أبي بكر، وعمر، وعلي، وابن مسعود رضي الله عنهم، وبه قَالَ أهل المدينة، وأهل الكوفة، وأصحاب الرأي، وأصحاب الْحَدِيث، وغيرهم، وفي كتاب النبيّ -صلى الله عليه وسلم- لعمرو بن حزم: "وفي اللسان الدية"، ولأن فيه جمالا ومنفعة، فأشبه الأنف، فأما الجمال، فقد رُوي أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، سئل عن الجمال؟، فَقَالَ: "فِي اللسان" (?)، ويقال: جمال الرجل فِي لسانه، والمرء بأصغريه: قلبه، ولسانه، ويقال: ما الإنسان لولا اللسان، إلا صورة ممثلة، أو بهيمة مهملة، وأما النفع، فإن به تُبْلَغُ الأغراض، وتُستَخلَص الحقوق، وتُدفُع الآفات، وتُقضَى به الحاجات، وتُتَمُّ العبادات فِي القراءة، والذكر، والشكر، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والتعليم، والدلالة عَلَى الحق المبين، والصراط المستقيم، وبه يَذوق الطعام، ويستعين فِي مضغه، وتقليبه، وتنقية الفم، وتنظيفه، فهو أعظم الأعضاء نفعا، وأتمها جمالا، فإيجاب الدية فِي غيره تنبيه عَلَى إيجابها فيه، وإنما تجب الدية فِي لسان الناطق، فإن كَانَ أخرس لم تجب فيه دية كاملة، بغير خلاف؛ لذهاب نفعه المقصود منه، كاليد الشلاء، والعين القائمة. انتهى كلام ابن قدامة، وهو بحث نفيس. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة السادسة): فِي أقوال أهل العلم فِي دية الشفتين:

قَالَ الموفّق رحمه الله تعالى: لا خلاف بين أهل العلم، أن فِي الشفيتين الديةَ، وفي كتاب عمرو بن حزم، الذي كتبه له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "وفي الشفتين الدية"، ولأنهما عضوان ليس فِي البدن مثلهما، فيهما جمال ظاهر، ومنفعة كاملة، فإنهما طَبَقٌ عَلَى الفم، تقيانه ما يؤذيه، ويستران الأسنان، ويردان الرِّيق، ويُنفَخ بهما، ويَتِم بهما الكلام، فإن فيهما بعض مخارج الحروف، فتجب فيهما الدية، كاليدين والرجلين، وظاهر المذهب أن فِي كل واحدة منهما نصف الدية، ورُوي هَذَا عن أبي بكر، وعلي رضي الله عنهما، وإليه ذهب أكثر الفقهاء، ورُوي عن أحمد رحمه الله رواية أخرى: أن فِي العُليا ثلث الدية، وفي السفلى الثلثين؛ لأن هَذَا يُروى عن زيد بن ثابت، وبه قَالَ سعيد بن المسيب، والزهري، ولأن المنفعة بها أعظم؛ لأنها التي تدور، وتتحرك، وتحفظ الريق

طور بواسطة نورين ميديا © 2015