قَالَ الموفّق رحمه الله تعالى فِي "المغني" 12/ 119 - 121: وفي الأنف الدية، إذا كَانَ قطع مارنه، بغير خلاف بنيهم، حكاه ابن عبد البرّ، وابن المنذر عمن يحفظ عنه منْ أهل العلم، وفي كتاب عمرو بن حزم، عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، أنه قَالَ: "وفي الأنف إذا أُوعب جدعًا الدية"، وفي رواية مالك فِي "الموطإ": "إذا أُوعِي جدعًا -يعني إذا استوعب، واستؤصل"، ولأنه عضو فيه جمال ومنفعة، ليس فِي البدن منه إلا شيء واحد، فكانت فيه الدية كاللسان، وإنما الدية فِي مارنه، وهو ما لان منه، هكذا قَالَ الخليل وغيره؛ لأنه يُروَى عن طاوس، أنه قَالَ: كَانَ فِي كتاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "وفي الأنف إذا أوعب مارنه جدعًا الدية"، ولأن الذي يقطع فيه ذلك، فانصرف الخبر إليه، فإن قُطع بعضه ففيه بقدره منْ الدية، يُمسَح، ويعرف قدر ذلك منه، كما قلنا فِي الأذنين، وَقَدْ روي هَذَا عن عمر بن عبد العزيز، والشعبي، والشافعي، وإن قطع أحد المنخرين، ففيه ثلث الدية، وفي المنخرين ثلثاها، وفي الحاجز بينهما الثلث، قَالَ أحمد: فِي الْوَتَرَة (?) الثلث، وفي الْخَرَمَة (?) فِي كل واحد منهما الثلث، وبهذا قَالَ إسحاق، وهو أحد الوجهين لأصحاب الشافعيّ؛ لأن المارن يشتمل عَلَى ثلاثة أشياء منْ جنس، فتوزعت الدية عَلَى عددها، كسائر ما فيه عدد منْ جنس، منْ اليدين، والأصابع، والأجفان الأربعة.

قَالَ: وإن قطع المارن مع القصبة، ففيه الدية فِي قياس المذهب، وهذا مذهب مالك، ويحتمل أن تجب الدية فِي المارن، وحكومة فِي القصبة، وهذا مذهب الشافعيّ؛ لأن المارن وحده موجب للدية، فوجبت الحكومة فِي الزائدة، كما لو قطع القصبة وحدها، مع قطع لسانه.

قَالَ: ولنا قوله عليه السلام: "فِي الأنف إذا أُوعب جدعا الدية"، ولأنه عضو واحد فلم يجب به أكثر منْ دية، كالذكر إذا قطع منْ أصله، وما ذكروه يبطل بهذا، ويفارق ما إذا قطع لسانه، وقصبته لأنهما عضوان، فلا تدخل دية أحدهما فِي الآخر، وأما العضو الواحد فلا يبعد أن يجب فِي جميعه ما يجب فِي بعضه، كالذكر يجب فِي حشفته الدية التي يجب فِي جميعه، وأصابع اليد يجب فيها ما يجب فِي اليد منْ الكوع، وكذلك أصابع الرجل، وفي الثدي كله مثلُ ما فِي حَلَمَته، فأما إن قطع الأنف وما تحته منْ اللحم، ففي اللحم حكومة؛ لأنه ليس منْ الأنف، فأشبه ما لو قطع الذكر واللحم الذي تحته. انتهى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015