فأخذ بظاهره، وَقَالَ جمهور العلماء: معناه اشتراه منْ أهل الصدقات، بعد أن ملكوها، ثم دفعها تبرعا إلى أهل القتيل.

وحكى القاضي عن بعض العلماء: أنه يجوز صرف الزكاة فِي مصالح العامة، وتأول هَذَا الْحَدِيث عليه، وتأوله بعضهم عَلَى أن أولياء القتيل كانوا محتاجين، ممن تباح لهم الزكاة، وهذا تأويل باطل؛ لأن هَذَا قدر كثير، لا يدفع إلى الواحد الحامل منْ الزكاة، بخلاف أشراف القبائل، ولأنه سماه دية، وتأوله بعضهم عَلَى أنه دفعه منْ سهم المؤلفة، منْ الزكاة؛ استئلافا لليهود، لعلهم يسلمون، وهذا ضعيف؛ لأن الزكاة لا يجوز صرفها إلى كافر، فالمختار ما حكيناه عن الجمهور، أنه اشتراها منْ إبل الصدقة.

وفي هَذَا الْحَدِيث: أنه ينبغي للإمام مراعاة المصالح العامة، والاهتمام بإصلاح ذات البين، وفيه إثبات القسامة، وفيه الابتداء بيمين المدعي فِي القسامة، وفيه رد اليمين عَلَى المدعى عليه، إذا نكل المدعي فِي القسامة، وفيه جواز الحكم عَلَى الغائب، وسماع الدعوى فِي الدماء منْ غير حضور الخصم، وفيه جواز اليمين بالظن، وإن لم يتيقن، وفيه أن الحكم بين المسلم والكافر يكون بحكم الإِسلام. انتهى كلام النوويّ. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

وقول: (خَالَفَهُمْ عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ) يعني أن عمرو بن شعيب خالف الرواة السابقين فرواه عن أبيه عن جدّه، فذكر أن الذي قُتل هو ابن مُحيّصة، والذي فِي رواية الجماعة أنه عبد الله بن سهل، ابن عمّ محيّصة، لا ابنه، وذكر أيضًا أنه -صلى الله عليه وسلم- قسم ديته عليهم، وأعانهم بنصفها، ورواية الجماعة أنه -صلى الله عليه وسلم- أعطاهم منْ عنده جميع الدية، فأرسل إليهم مائة ناقة. والله تعالى أعلم. ثم ساق رواية عمرو بقوله:

4722 - (أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الأَخْنَسِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ ابْنَ مُحَيِّصَةَ الأَصْغَرَ أَصْبَحَ قَتِيلاً، عَلَى أَبْوَابِ خَيْبَرَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "أَقِمْ شَاهِدَيْنِ عَلَى مَنْ قَتَلَهُ، أَدْفَعْهُ إِلَيْكُمْ بِرُمَّتِهِ"، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمِنْ أَيْنَ أُصِيبُ شَاهِدَيْنِ؟، وَإِنَّمَا أَصْبَحَ قَتِيلاً عَلَى أَبْوَابِهِمْ، قَالَ: "فَتَحْلِفُ خَمْسِينَ قَسَامَةً"، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَيْفَ أَحْلِفُ عَلَى مَا لاَ أَعْلَمُ؟، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "فَنَسْتَحْلِفُ مِنْهُمْ خَمْسِينَ قَسَامَةً"، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ نَسْتَحْلِفُهُمْ، وَهُمُ الْيَهُودُ؟، فَقَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- دِيَتَهُ عَلَيْهِمْ، وَأَعَانَهُمْ بِنِصْفِهَا).

رجال هَذَا الإسناد: ستة:

1 - (محمد بن معمر) القيسيّ البحرانيّ، صدوقٌ، منْ كبار [11] 5/ 1829.

2 - (رَوح بن عُبادة) القيسيّ، أبو محمد البصريّ، ثقة فاضل، له تصانيف [9] 25/ 1251.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015