واستَدَلَّ فِي "ضوء النهار" عَلَى الإدراج بعدم إخراج مسلم لتلك الزيادة. ويجاب عنه بأنه قد يَقتَصِر بعض الأئمة عَلَى ذكر بعض الْحَدِيث، والحكم للزيادة، لاسيما وَقَدْ أخرجها مثل البخاريّ، عَلَى أن معنى هذه الزيادة، التي ادعى أهل القول الثاني إدراجها، هو معنى قوله: "فِي كُلِّ ما لم يقسم"، ولا تفاوت إلا بكون دلالة أحدهما عَلَى هَذَا المعنى بالمنطوق، والآخر بالمفهوم.
واحتج أهل القول الثاني بالأحاديث الواردة، فِي إثبات الشفعة بالجوار، كحديث سمرة، والشريد بن سويد، وأبي رافع، وجابر -رضي الله عنهم-.
وأما الأحاديث القاضية بثبوت الشفعة لمطلق الشريك، كما فِي حديث جابر المذكور فِي قوله: "فِي كل شركة"، وكما فِي حديث عبادة بن الصامت -رضي الله عنه-: "أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قضى بالشفعة بين الشركاء فِي الأرضين، والدور"، رواه عبد الله بن أحمد فِي "المسند"، فلا تصلح للاحتجاج بها عَلَى ثبوت الشفعة للجار، إذ لا شركة بعد القسمة.
وَقَدْ أجاب أهل القول الأول، عن الأحاديث القاضية بثبوت الشفعة للجار، بأن المراد بها الجار الأخص، وهو الشريك المخالط؛ لأن كل شيء قارب شيئا، يقال له: جار، كما قيل لامرأة الرجل جارة؛ لما بينهما منْ المخالطة، وبهذا يندفع ما قيل: إنه ليس فِي اللغة ما يقتضي تسمية الشريك جارا. قَالَ ابن المنير: ظاهر حديث أبي رافع يعني المتقدّم منْ عند البخاريّ بقصّته مع سعد بن أبي وقّاص- أنه كَانَ يملك بيتين منْ جملة دار سعد، لا شِقْصًا شائعا منْ منزل سعد، ويدل عَلَى ذلك ما ذكره عمر بن شبة، أن سعدا كَانَ اتخذ دارين بالبلاط، متقابلتين، بينهما عشرة أذرع، وكانت التي عن يمين المسجد منهما لأبي رافع، فاشتراها سعد منه، ثم ساق الْحَدِيث الماضي، فاقتضى كلامه، أن سعدا كَانَ جارا لأبي رافع، قبل أن يشتري منه داره، لا شريكا كذا قَالَ الحافظ، وَقَالَ أيضا: إنه ذكر بعض الحنفية، أنه يلزم الشافعيّة القائلين بحمل اللفظ عَلَى حقيقته ومجازه، أن يقولوا بشفعة الجار؛ لأن الجار حقيقة فِي المجاور، مجاز فِي الشريك.
وأجيب بأن محل ذلك عند التجرد، وَقَدْ قامت القرينة هنا عَلَى المجاز، فاعتبر الجمع بين حديثي جابر وأبي رافع، فحديث جابر صريح فِي اختصاص الشفعة بالشريك، وحديث أبي رافع مصروف الظاهر اتفاقا؛ لأنه يقتضي أن يكون الجار أحق منْ كل أحد، حَتَّى منْ الشريك، والذين قالوا بشفعة الجوار، قَدَّموا الشريك مطلقا، ثم المشارك فِي الشِّرْب، ثم المشارك فِي الطريق، ثم الجار عَلَى منْ ليس بمجاور.
وأجيب بأن المفضل عليه مقدر: أي الجار أحق منْ المشتري الذي لا جوار له، قَالَ فِي القاموس: الجار: المجاور، والذي أجرته، منْ أن يظلم، والمجير، والمستجير،