والشريك فِي التجارة، وزوج المرأة، وما قرُب منْ المنازل، والمقاسم، والحليف، والناصر. انتهى. والحاصل أن الجار المذكور فِي الأحاديث المذكورة، إن كَانَ يُطلق عَلَى الشريك فِي الشيء، والمجاور له بغير شركة، كانت مقتضية بعمومها لثبوت الشفعة لهما جمعا، وحديث جابر، وأبي هريرة، المذكوران، يدلان عَلَى عدم ثبوت الشفعة للجار، الذي لا شركة له، فيُخَصَّصان عموم أحاديث الجار.
ولكنه يشكل عَلَى هَذَا حديث الشريد بن سويد -رضي الله عنه-، فإن قوله: "ليس لأحد فيها شرك، ولا قسم، إلا الجوار"، مشعر بثبوت الشفعة لمجرد الجوار، وكذلك حديث سمرة؛ لقوله فيه: "جار الدار أحق بالدار"، فإن ظاهره أن الجوار المذكور جوار، لا شركة فيه.
ويجاب بأن هذين الحديثين، لا يصلحان لمعارضة ما فِي الصحيح، عَلَى أنه يمكن الجمع بما فِي حديث جابر السابق، بلفظ: "إذا كَانَ طريقهما واحدا"، فإنه يدل عَلَى أن الجوار، لا يكون مقتضيا للشفعة، إلا مع اتحاد الطريق، لا بمجرده، ولا عذر لمن قَالَ بحمل المطلق عَلَى المقيد، منْ هَذَا إن قَالَ بصحة هَذَا الْحَدِيث، وَقَدْ قَالَ بهذا -أعني ثبوت الشفعة للجار، مع اتحاد الطريق- بعض الشافعيّة، ويؤيده أن شرعية الشفعة، إنما هي لدفع الضرر، وهو إنما يحصل فِي الأغلب، مع المخالطة فِي الشيء المملوك، أو فِي طريقه، ولا ضرر عَلَى جار لم يشارك فِي أصل، ولا طريق إلا نادرا، واعتبار هَذَا النادر، يستلزم ثبوت الشفعة للجار، مع عدم الملاصقة؛ لأن حصول الضرر له، قد يقع فِي نادر الحالات، كحجب الشمس، والإطلاع عَلَى العورات، ونحوهما، كالروائح الكريهة، التي يتأذى بها، ورفع الأصوات، وسماع بعض المنكرات، ولا قائل بثبوت الشفعة لمن كَانَ كذلك، والضرر النادر غير معتبر؛ لأن الشارع علق الأحكام بالأمور الغالبة، فعلى فرض أن الجار لغة لا يطلق إلا عَلَى منْ كَانَ ملاصقا، غير مشارك، ينبغي تقييد الجوار باتحاد الطريق، ومقتضاه أن لا تثبت الشفعة بمجرد الجوار، وهو الحق، وَقَدْ زعم صاحب "المنار" أن الأحاديث تقتضي ثبوت الشفعة للجار، والشريك، ولا منافاة بينها، ووَجَّهَ حديث جابر بتوجيه بارد، والصواب ما حررناه. انتهى كلام الشوكاني "نيل الأوطار" 5/ 356 - 357.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: هَذَا الذي حرّره الشوكانيّ رحمه الله تعالى، منْ ترجيح القول بأن الشفعة إنما هي للشريك، لا للمجاور، هو الأرجح عندي؛ لوضوح