منها: أنه تعارض عند الابتداء بالتسمية والحمدلة، فلو ابتدأ بالحمدلة لخالف العادة، أو بالتسمية لم يعدّ مبتدئا بالحمدلة، فاكتفى بالتسمية. وتعقب بأنه لو جمع بينهما لكان مبتدئا بالحمدلة بالنسبة إلى ما بعد التسمية، وهذه هي النكتة في حذف العاطف، فيكون أولى لموافقته الكتاب العزيز، فإن الصحابة افتتحوا كتابة الإمام الكبير بالتسمية والحمدلة وتلوها، وتبعهم على ذلك جميع من كتب المصحف بعدهم في جميع الأمصار، من يقول بأن البسملة آية من أول الفاتحة، ومن لا يقول ذلك.

ومنها: أنه راعى قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [الحجرات: آية1] فلم يقدم على كلام الله ورسوله شيئا، واكتفى بها عن كلام نفسه. وتعقب بأنه كان يمكنه أن يأتي بلفظ الحمد من كلام الله تعالى، وأيضا فقد قدم الترجمة وهي من كلامه على الآية، وكذا ساق السند قبل لفظ الحديث، والجواب عن ذلك بأن الترجمة والسند، وإن كانا متقدمين لفظا لكنهما متأخران تقديرا فيه نظر.

وأبعد من هذا كله قول من ادعى أنه ابتدأ بخطبة فيها حمد وشهادة، فحذفها بعض من حمل عنه الكتاب، وكأن قائل هذا ما رأى تصانيف الأئمة من شيوخ البخاري، وشيوخ شيوخه، وأهل عصره كما في الموطأ وعبد الرزاق في المصنف، وأحمد في المسند، وأبي داود في السنن، إلى ما لا يحصى ممن لم يقدم في ابتداء تصنيفه خطبة، ولم يزد على التسمية، وهم الأكثر، والقليل منهم من افتتح كتابه بخطبة، أفيقال في كل من هؤلاء: إن الرواة عنه حذفوا ذلك؟! كلا، بل يحمل ذلك من صنيعهم، على أنهم حمدوا لفظا، ويؤيده ما رواه الخطيب في الجامع عن أحمد أنه كان يتلفظ بالصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا كتب الحديث، ولا يكتبها، والحامل له على ذلك إسراع أو غيره، أو يحمل على أنهم رأوا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015