لكل امرئ ما نوى" فاكتفى بالتلويح عن التصريح، وقد سلك هذه الطريقة في معظم تراجم هذا الكتاب على ما سيظهر بالاستقراء.
والجواب عن الثاني: أن الحديثين ليسا على شرطه، بل في كل منهما مقال، سلمنا صلاحيتهما للحجية، لكن ليس فيهما أن ذلك يتعين بالنطق والكتابة معا، فلعله حمد وتشهد نطقا عند وضع الكتاب، ولم يكتب ذلك اقتصارًا على البسملة؛ لأن القدر الذي يجمع الأمور الثلاثة ذكر الله، وقد حصل بها، ويؤيده أن أول شيء نزل من القرآن: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} [الفلق: آية 1]، فطريق التأسي به الافتتاح بالبسملة، والاقتصار عليها، لا سيما وحكاية ذلك من جملة ما تضمنه هذا الباب، بل المقصود بالذات من أحاديثه.
قال الجامع عفا الله عنه: قوله: (فلعله حمد وتشهد نطقا .. إلخ) فيه تكلف لا يخفى، بل الجواب الصحيح هو ما أشار إليه بقوله: ويؤيده .. إلخ، فالأولى أن يقال: إنما ترك ذلك تأسيا، ويؤيد ذلك -كما قال- وقوع كتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الملوك، وكتبه في القضايا مفتتحة بالتسمية دون الحمدلة، وغيرها، كما في حديث أبي سفيان في قصة هرقل، وكما في حديث البراء في قصة سهيل بن عمرو في صلح الحديبية، وغير ذلك من الأحاديث، وهذا يشعر بأن لفظ الحمد والشهادة إنما يحتاج إليه في الخطب دون الرسائل والوثائق، فكأن المصنف لما لم يفتتح كتابه بخطبة أجراه مجرى الرسائل إلى أهل العلم لينتفعوا بما فيه تعلما وتعليما.
وقد أجاب من شرح هذا الكتاب -يعني صحيح البخاري- بأجوبة أخرى فيها نظر: