المسألة الثانية: إن قال قائل: لمَ لَمْ يفتتح النسائي رحمه الله سننه بخطبة تنبئ عن مقصوده، مشتملة على الحمد والشهادة؟.

فالجواب عنه: أنه ترك ذلك اتباعا للسنة حيث كانت كتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الآفاق مفتتحة بالبسملة دون غيرها -كما تقدم شرح ذلك في المسألة السابقة-.

وأيضًا: أن ذلك عرف طارئ التزمه المتأخرون، فقد استحسنوا ابتداء مؤلفاتهم بالبسملة، والحمدلة، والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومدح الفن، وذكر الباعث، وتسمية الكتاب، وبيان كيفية العمل فيه من التبويب، والتفصيل، وغير ذلك، وأما المتقدمون فلا يوجد ذلك في مؤلفاتهم إلا بعضه عند بعضهم، كما فعل مسلم رحمه الله في صحيحه فجرى المصنف رحمه الله على عمل المتقدمين هنا، وفي الكبرى لموافقته السنة، فلم يذكر إلا البسملة.

وقد ذكر الحافظ في الفتح جوابًا عن البخاري رحمه الله تعالى فقال:

وقد اعتُرض على المصنف -يعني البخاري- لكونه لم يفتتح بخطبة تنبئ عن مقصوده مفتتحة بالحمد والشهادة امتثالا لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أقطع" وقوله: "كل خطبة ليس فيها شهادة فهي كاليد الجذماء" أخرجهما أبو داود وغيره من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

والجواب عن الأول: أن الخطبة لا يتحتم فيها سياق واحد يمتنع

العدول عنه، بل الغرض منها الافتتاح بما يدل على المقصود، وقد صدر الكتاب بترجمة بدء الوحي، وبالحديث الدال على مقصوده المشتمل على أن العمل دائر مع النية، فكأنه يقول: قصدت جمع وحي السنة المتلقى عن خير البرية على وجه سيظهر حسن عملي فيه من قصدي "وإنما

طور بواسطة نورين ميديا © 2015