وعن لبن الجلالة، وعن الشرب منْ فِي السقاء". وهو عَلَى شرط البخاريّ، فِي رجاله، إلا أن أيوب، رواه عن عكرمة، فَقَالَ عن أبي هريرة. وأخرجه البيهقي، والبزار، منْ وجه آخر، عن أبي هريرة: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الجلالة، وعن شرب ألبانها، وأكلها، وركوبها"، ولابن أبي شيبة، بسند حسن، عن جابر: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الجلالة، أن يؤكل لحمها، أو يشرب لبنها"، ولأبي داود، والنسائي -يعني حديث الباب- منْ حديث عبد الله بن عمرو بن العاص: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية، وعن الجلالة، عن ركوبها، وأكل لحمها"، وسنده حسن. وَقَدْ أطلق الشافعية كراهة أكل الجلالة، إذا تغير لحمها بأكل النجاسة، وفي وجه إذا أكثرت منْ ذلك، ورجح أكثرهم أنها كراهة تنزيه، وهو قضية صنيع أبي موسى -رضي الله عنه- (?).
ومن حجتهم أن العلف الطاهر، إذا صار فِي كَرِشها تنجس، فلا تتغذى إلا بالنجاسة، ومع ذلك فلا يُحكَم عَلَى اللحم واللبن بالنجاسة، فكذلك هَذَا.
وتعقب بأن العلف الطاهر، إذا تنجس بالمجاورة، جاز إطعامه للدابة؛ لأنها إذا أكلته، لا تتغذى بالنجاسة، وإنما تتغذى بالعلف، بخلاف الجلالة.
وذهب جماعة منْ الشافعية، وهو قول الحنابلة إلى أن النهي للتحريم، وبه جزم ابن دقيق العيد عن الفقهاء، وهو الذي صححه أبو إسحاق المروزي، والقفال، وإمام الحرمين، والبغوي، والغزالي، وألحقوا بلبنها ولحمها بيضها، وفي معنى الجلالة ما يتغذى بالنجس، كالشاة تَرْضَع منْ كلبة، والمعتبر فِي جواز أكل الجلالة، زوال رائحة النجاسة، بعد أن تُعلَف بالشيء الطاهر، عَلَى الصحيح، وجاء عن السلف فيه توقيت، فعند ابن أبي شيبة عن ابن عمر، أنه كَانَ يحبس الدجاجة الجلالة ثلاثاً، كما تقدم، وأخرج البيهقي بسند فيه نظر (?)، عن عبد الله بن عمرو، مرفوعاً: "أنها لا تؤكل حَتَّى تعلف أربعين يوما". انتهى ما فِي "الفتح".
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: قد اتّضح مما تقدّم أن القول بتحريم أكل لحوم الجلّالة، وشرب ألبانها هو الحقّ؛ لظواهر هذه الأحاديث الصحيحة. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
[تنبيه]: قَالَ ابن قُدامة رحمه الله تعالى: وتزول الكراهة بحبسها اتفاقا، واختُلف فِي قدره، فروي عن أحمد أنها تحبس ثلاثاً، سواء كانت طائرا، أو بهيمة، وكان ابن عمر