(المسألة الثالثة): فِي فوائده:

(منها): ما ترجم له المصنّف رحمه الله تعالى، وهو بيان النهي عن أكل لحوم الحيوانات، إذا كانت جلّالة. (ومنها): النهي عن ركوبها. (ومنها): النهي عن أكل لحوم الحمر الأهليّة. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الرابعة): فِي اختلاف أهل العلم فِي أكل لحم الجلّالة:

قَالَ الإِمام ابن قُدامة رحمه الله تعالى: قَالَ أحمد: أكره لحوم الجلالة، وألبانها. قَالَ القاضي فِي "المجرد": هي التي تأكل القذر، فإذا كَانَ أكثر علفها النجاسة، حرم لحمها ولبنها، وفي بيضها روايتان، وان كَانَ أكثر علفها الطاهر، لم يحرم أكلها، ولا لبنها، وتحديد الجلالة بكون أكثر علفها النجاسة، لم نسمعه عن أحمد، ولا هو ظاهر كلامه، لكن يمكن تحديده بما يكون كثيرا فِي مأكولها، ويعفى عن اليسير. وَقَالَ الليث: إنما كانوا يكرهون الجلالة التي لا طعام لها، إلا الرجيع، وما أشبهه. وَقَالَ ابن أبي موسى فِي الجلالة: روايتان: إحداهما: أنها محرمة. والثانية أنها مكروهة، غير محرمة، وهذا قول الشافعيّ، وكره أبو حنيفة لحومها، والعمل عليها، حَتَّى تُحبس. ورخص الحسن فِي لحومها وألبانها؛ لأن الحيوان لا ينجس بأكل النجاسات، بدليل أن شارب الخمر، لا يحكم بتنجيس أعضائه، والكافر الذي يأكل الخنزير والمحرمات، لا يكون ظاهره نجاسا، ولو نجس لَمَا طَهُر بالإِسلام، ولا الاغتسال، ولو نجست الجلالة لَمَا طهرت بالحبس.

واحتجّ الأولون بما روى ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، قَالَ: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن أكل الجلالة، وألبانها"، رواه أبو داود، ورَوَى عبد الله بن عمرو بن العاص، قَالَ: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الإبل الجلالة، أن يؤكل لحمها، ولا يحمل عليها إلا الأُدْمُ، ولا يَركبها النَّاس حَتَّى تُعلف أربعين ليلة"، رواه الخلال بإسناده (?)، ولأن لحمها يتولد منْ النجاسة، فيكون نجسا كرماد النجاسة، وأما شارب الخمر، فليس ذلك أكثر غذائه، وإنما يتغذى الطاهرات، وكذلك الكافر فِي الغالب.

وَقَالَ فِي "الفتح": قَالَ مالك، والليث: لا بأس بأكل الجلالة، منْ الدجاج وغيره، وإنما جاء النهي عنها للتقذر. وَقَدْ ورد النهي عن أكل الجلالة، منْ طرق أصحها ما أخرجه الترمذي، وصححه، وأبو داود، والنسائي -يعني الْحَدِيث الآتي فِي الباب التالي، منْ طريق قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس: "أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، نهى عن المجثمة،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015