وأبو ثور، وأصحاب الرأي، ولا فرق بين الكتابي العربي، وغيره، إلا أن فِي نصارى العرب اختلافا، ذكرناه فِي باب الجزية. وسُئل مكحول عن ذبائح العرب؟ فَقَالَ: أما بَهْرَا، وتَنُوخ، وسُلَيح، فلا بأس، وأما بنو تَغْلِب، فلا خير فِي ذبائحهم، والصحيح إباحة ذبائح الجميع؛ لعموم الآية فيهم.
قَالَ: فإن كَانَ أحد أبوي الكتابي، ممن لا تحل ذبيحته، والآخر ممن تحل ذبيحته، فَقَالَ أصحابنا -يعني الحنبليّة-: لا يحل صيده، ولا ذبيحته، وبه قَالَ الشافعيّ، إذا كَانَ الأب غير كتابي، وإن كَانَ الأب كتابيًا، ففيه قولان: [أحدهما]: تباح، وهو قول مالك، وأبو ثور. [والثاني]: لا تباح؛ لأنه وُجد ما يقتضي التحريم والإباحة، فغُلِّب ما يقتضي التحريم، كما لو جرحه مسلم ومجوسي، وبيانُ وجود ما يقتضي التحريم أنَّ كونه ابن مجوسي، أو وثني، يقتضي تحريم ذبيحته.
وَقَالَ أبو حنيفة: تباح ذبيحته، بكل حال؛ لعموم النص، ولأنه كتابي يُقَرُّ عَلَى دينه، فتحل ذبيحته، كما لو كَانَ ابن كتابيين، وأما إن كَانَ ابن وثنيين، أو مجوسيين، فمقتضى مذهب الأئمة الثلاثة تحريمه، ومقتضى مذهب أبي حنيفة حله؛ لأن الاعتبار بدين الذابح، لا بدين أبيه، بدليل أن الاعتبار فِي قبول الجزية بذلك، ولعموم النص والقياس.
قَالَ: فأما ما ذبحوه لكنائسهم وأعيادهم، فننظر فيه، فإن ذبحه لهم مسلم، فهو مباح، نُصَّ عليه. وَقَالَ أحمد، وسفيان الثوري، فِي المجوسي يذبح لإلهه، ويدفع الشاة إلى المسلم يذبحها، فيسمي: يجوز الأكل منها، وَقَالَ إسماعيل بن سعيد: سألت أحمد عما يُقَرَّب لآلهتهم، يذبحه رجل مسلم؟ قَالَ: لا بأس به، وإن ذبحها الكتابي، وسمى الله وحده، حَلَّت أيضاً؛ لأن شرط الحل وُجد، وإن عُلم أنه ذكر اسم غير الله عليها، أو ترك التسمية عمدا لم تحل. قَالَ حَنْبَل: سمعت أبا عبد الله قَالَ: لا يؤكل يعني ما ذُبح لأعيادهم وكنائسهم؛ لأنه أهل لغير الله به. وَقَالَ فِي موضع: يَدَعُون التسمية عَلَى عمد، إنما يذبحون للمسيح، فأما ما سوى ذلك، فرُويت عن أحمد الكراهة فيما ذُبح لكنائسهم، وأعيادهم مطلقا، وهو قوله ميمون بن مهران؛ لأنه ذُبح لغير الله، وروي عن أحمد إباحته. وسُئل عنه العرباض بن سارية؟ فَقَالَ: كلوا، وأطعموني. وروي مثل ذلك عن أبي أمامة الباهلي، وأبي مسلم الخولاني، وأكله أبو الدرداء، وجبير بن نفير، ورخص فيه عمرو بن الأسود، ومكحول، وضمرة بن حبيب؛ لقول الله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ}، وهذا منْ طعامهم، قَالَ القاضي: ما ذبحه الكتابي لعيده، أو نجم، أو صنم، أو نبي، فسماه عَلَى ذبيحته حَرُم؛ لقوله تعالى: