(المسألة الرابعة): قَالَ فِي "الفتح" 6/ 516 - : واستدل بهذا الْحَدِيث عَلَى جواز إحراق الحيوان المؤذي بالنار، منْ جهة أن شرع منْ قبلنا شرع لنا، إذا لم يأت فِي شرعنا ما يدفعه، ولاسيما إن ورد عَلَى لسان الشارع، ما يُشعر باستحسان ذلك، لكن ورد فِي شرعنا النهي عن التعذيب بالنار.

قَالَ النوويّ: هَذَا الْحَدِيث محمول عَلَى أنه كَانَ جائزا فِي شرع ذلك النبيّ، جوازُ قتل النمل، وجواز التعذيب بالنار، فإنه لم يقع عليه العتب فِي أصل القتل، ولا فِي الإحراق، بل فِي الزيادة عَلَى النملة الواحدة، وأما فِي شرعنا، فلا يجوز إحراق الحيوان بالنار، إلا فِي القصاص بشرطه، وكذا لا يجوز عندنا قتل النمل؛ لحديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فِي "السنن" أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: "نهى عن قتل النملة، والنحلة". انتهى. وَقَدْ قَيَّد غيره، كالخطابي النهي عن قتله، منْ النمل بالسليماني. وَقَالَ البغوي: النمل الصغير، الذي يقال له: الذَّرّ، يجوز قتله، ونقله صاحب "الاستقصاء" عن الصيمري، وبه جزم الخطابي.

وفي قوله: إن القتل، والإحراق، كَانَ جائزا فِي شرع ذلك النبيّ نظر؛ لأنه لو كَانَ كذلك، لم يُعاتب أصلا ورأسا، إذا ثبت أن الأذى طبعه.

وَقَالَ عياض: فِي هَذَا الْحَدِيث، دلالة عَلَى جواز قتل كل مؤذ، ويقال: إن لهذه القصة سببا، وهو أن هَذَا النبيّ مَرّ عَلَى قرية، أهلكها الله تعالى، بذنوب أهلها، فوقف متعجبًا، فَقَالَ: يا رب، قد كَانَ فيهم صبيان، ودواب، ومن لم يقترف ذنبا، ثم نزل تحت شجرة، فجرت له هذه القصة، فنبهه الله جل وعلا عَلَى أن الجنس المؤذي يقتل، وإن لم يُؤذ، وتقتل أولاده، وان لم تبلغ الأذى. انتهى. وهذا هو الظاهر، وإن ثبتت هذه القصة، تَعَيّن المصير إليه.

والحاصل أنه لم يعاتب إنكارا لما فعل، بل جوابا له، وإيضاحا لحكمة شمول الهلاك لجميع أهل تلك القرية، فضرب له المثل بذلك، أي إذا اختلط منْ يستحق الإهلاك بغيره، وتعين إهلاك الجميع طريقا إلى إهلاك المستحق، جاز إهلاك الجميع، ولهذا نظائر، كتترس الكفار بالمسلمين، وغير ذلك. والله سبحانه أعلم.

وَقَالَ الكرماني: النمل غير مكلف، فكيف أشير فِي الْحَدِيث، إلى أنه لو أحرق نملة واحدة جاز، مع أن القصاص إنما يكون بالمثل لقوله تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} الآية [الشورى: 40]، ثم أجاب بتجويز أن التحريق، كَانَ جائزا عنده، ثم قَالَ: يرِدُ عَلَى قولنا: كَانَ جائزا، لو كَانَ كذلك لَمَا ذُمّ عليه.

وأجاب بأنه قد يُذَمّ الرفيعُ القدرِ عَلَى خلاف الأولى. انتهى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015