أكرمه الله تعالى منْ الأولياء، مثلُ ذلك فِي غير ما قضيّة، وإياه عني النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بقوله: "لقد كَانَ فيما كَانَ قبلكم منْ الأمم ناسٌ محدّثون، فإن يكن فِي أمتي أحد فإنه عمر"، متّفق عليه. انتهى كلام القرطبيّ ببعض تصرف "المفهم" 5/ 543. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلّق بهذا الْحَدِيث:
(المسألة الأولى): فِي درجته:
حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه هَذَا متّفقٌ عليه.
(المسألة الثانية): فِي بيان مواضع ذكر المصنّف له، وفيمن أخرجه معه:
أخرجه هنا -38/ 4360 و4361 و4362 - وفي "الكبرى" 4/ 4870 و4871 و4872. وأخرجه (خ) فِي "الجهاد" 3519 و"بدء الخلق" 3319 (م) فِي "السلام" 148 (د) فِي "الأدب" 5266 (ق) فِي "الصيد" 3225. والله تعالى أعلم.
(المسألة الثالثة): فِي فوائده:
(منها): ما ترجم له المصنّف رحمه الله تعالى، وهو بيان حكم قتل النمل، وهو الجواز، إن آذته، كما يدل عليه قصة هَذَا النبيّ، وَقَدْ تقدّم غير مرّة أن الصحيح أن شرع منْ قبلنا إذا قصّه الشارع شرع لنا، إذا لم يَرِدْ فِي شرعنا ما ينافيه. (ومنها): أنه يستدل به عَلَى أن الحيوان، يسبح الله تعالى، حقيقةً، ويتأيد به قول منْ حمل قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} الآية [الإسراء: 44]، عَلَى الحقيقة. وتُعُقّب بأن ذلك لا يمنع الحمل عَلَى المجاز، بأن يكون سببا للتسبيح. قاله فِي "الفتح".
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: هَذَا التعقّب غير صحيح، بل الصواب الأول؛ فلها تسبيحٌ حقيقيّ، لا مجازيّ؛ لأنه لا داعي للعدول عن الحقيقة إلى المجاز؛ فإن النصوص الكثيرة دلّت عَلَى أن الحيون لها نطقٌ حقيقة، كما تقدّم فِي كلام القرطبيّ رحمه الله تعالى قريبًا. فتأمل بعقلك السديد، ولا تكن أسير التقليد، فإنه ملجأ البليد، ومتمسّك العنيد. والله تعالى أعلم.
(ومنها): أن فيه إشارة إلى أن الأمة مطلوبة البقاء، ولو لم يكن فيها فائدة، إلا التسبيح، لكفى داعيًا إلى إبقائها. (ومنها): أن فيه دلالةً عَلَى جواز قتل كل مؤذ. (ومنها): أنه يجوز المجازاة ممن ظلم، سواء كَانَ ممن يعقل، أو لا يعقل. (ومنها): أن الجزاء لا يتعدّى الجاني، فلا ينبغي إبادة غيره مما كَانَ منْ جنسه. (ومنها): أن الأنبياء عليهم السلام ينالهم الأذى؛ ليعظم لهم به الأجر والمثوبة. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.