والتعبير بالذّم فِي هَذَا لا يليق بمقام النبيّ، فينبغي أن يُعَبَّر بالعتاب.

وَقَالَ القرطبيّ: ظاهر هَذَا الْحَدِيث، أن هَذَا النبيّ إنما عاتبه الله، حيث انتقم لنفسه بإهلاك جمع، آذاه منه واحد، وكان الأولى به الصبر والصفح، وكأنه وقع له أن هَذَا النوع مؤذٍ لبني آدم، وحرمة بني آدم أعظم، منْ حرمة الحيوان، فلو انفرد هَذَا النظر، ولم ينضم إليه التشفي، لم يعاتب، قَالَ: والذي يؤيد هَذَا التمسك بأصل عصمة الأنبياء، وأنهم أعلم بالله، وبأحكامه منْ غيرهم، وأشدهم له خشية. انتهى. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.

4361 - (أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: أَنْبَأَنَا النَّضْرُ -وَهُوَ ابْنُ شُمَيْلٍ- قَالَ: أَنْبَأَنَا أَشْعَثُ، عَنِ الْحَسَنِ: "نَزَلَ نَبِيٌّ مِنَ الأَنْبِيَاءِ تَحْتَ شَجَرَةٍ، فَلَدَغَتْهُ نَمْلَةٌ، فَأَمَرَ بِبَيْتِهِنَّ، فَحُرِّقَ عَلَى مَا فِيهَا، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ، فَهَلاَّ نَمْلَةً وَاحِدَةً"، وَقَالَ الأَشْعَثُ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- مِثْلَهُ، وَزَادَ: "فَإِنَّهُنَّ يُسَبِّحْنَ").

قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: رجال هَذَا الإسناد رجال الصحيح، وتقدّموا غير مرّة. و"أشعث": هو ابن عبد الملك الْحُمرانيّ البصريّ الثقة.

وقوله: "فلدغته " -بالدال المهملة، والغين المعجمة-: أي قَرَصته، وليس هو بالذال المعجمة، والعين المهملة، فإن ذاك معناه: الإحراق.

وقوله: "فأمر ببيتهنّ الخ، وفي نسخة: "فأحرق بيتهنّ"، وفي رواية البخاريّ: "فأمر بجَهازه" -بفتح الجيم، ويجوز كسرها، بعدها زاي-: أي متاعه.

وقوله: "فحُرّق" بتشديد الراء، مبنيّا للمفعول؟

وقوله: "فهَلّا نملةً واحدةً": يجوز فيه النصب، عَلَى تقدير عامل محذوف، تقديره: فَهَلّا حَرّقتَ نملةً واحدةً. ويجوز رفعه عَلَى أنه نائب فاعل لفعل محذوف، حُرِّقَت نملةٌ واحدةٌ، أي وهي التي آذتك، بخلاف غيرها، فلم يَصدُر منها جناية.

وقوله: "وَقَالَ الأشعث عن ابن سيرين الخ" عطف عَلَى السند السابق، فهو موصول، والمعنى: أن الأشعث روى هَذَا الْحَدِيث منْ شيخين، أحدهما الحسن البصريّ، وهو موقوفٌ عليه، والثاني: محمد بن سيرين، وهو مرفوع.

والحديث صحيح مقطوع منْ طريق الحسن، وصحيح مرفوع منْ طريق محمد بن سيرين، وذكر الحافظ المزيّ رحمه الله تعالى فِي "تحفة الأشراف" 10/ 328 - أنه رواه حبيب بن الشهيد، وسلمة بن علقمة، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، موقوفًا. انتهى. أي وهو الموافق لرواية قتادة، عن الحسر، التي بعد هَذَا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015