لطائف هَذَا الإسناد:

(منها): أنه منْ سداسيات المصنّف رحمه الله تعالى. (ومنها): أن رجاله كلهم رجال الصحيح. (ومنها): أنه مسلسل بالمصريين إلى يونس، وبعده بالمدنيين. (ومنها): أن فيه رواية تابعيّ عن تابعيّ، وفيه أبو هريرة أكثر منْ روى الْحَدِيث فِي دهره. والله تعالى أعلم.

شرح الْحَدِيث

(عن أبي هريرة) رضي الله تعالى عنه (عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن نملة قرصت) بالصاد المهملة، يقال: قَرَصه بلسانه قرصًا، منْ باب نصر: آذاه، وناله منْ جهته، وفي رواية الحسن التالية: "نزل نبيّ منْ الأنبياء تحت شجرة، فلدغته نملة ... " (نبيا منْ الأنبياء) قيل: هو الْعُزَيرُ، وروى الحكيم الترمذي فِي "النوادر" أنه موسى عليه السلام، وبذلك جزم الكلاباذي، فِي "معاني الأخبار"، والقرطبي فِي "التفسير".

(فأمر بقرية النمل) أي بمساكنها، وبيوتها، قَالَ فِي "الفتح" 13/ 515: قرية النمل: موضع اجتماعهن، والعرب تُفرّق فِي الأوطان، فيقولون لمسكن الإنسان: وَطَن، ولمسكن الإبل عَطَن، وللأسد عَرِين، وغابة، وللظبي كُنَاس، وللضب وجَار، وللطائر عُشّ، وللزنبور كُور، ولليربوع نافق، وللنمل قرية. انتهى.

(فأحرقت) بالبناء للمفعول، وفي رواية الحسن: "فأمر ببيتهنّ، فحُرّق عَلَى ما فيها"، وفي رواية البخاريّ: "فأمر بجهازه، فاُخرج منْ تحتها، ثم أمر ببيتها، فأُحرق بالنار" (فأوحى الله عز وجل إليه أن قد قرصتك نملة) "أن" بفح الهمزة، وسكون النون هي المصدريّة، والكلام عَلَى تقدير لام الجرّ: أي لأن أقرصتك، وهو متعلّقٌ بقوله (أهلكت أمة منْ الأمم تسبح) قَالَ أبو العبّاس القرطبيّ رحمه الله تعالى: مقتضى هَذَا أنه تسبيح مقال، كما أخبر الله تعالى عن النمل أن لها منطقًا، وفهمه سليمان عليه السلام، معجزة له، وَقَدْ أخبر الله تعالى عن النمدة التي سمعها سليمان أنها قالت: {يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (18) فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا} الآية [النمل: 18 - 19] فهذا كلّه يدلّ دلالة واضحة أن للنمل نُطقًا، وقولًا، لكن لا يسمعه كلّ أحد، بل منْ شاء الله تعالى ممن خرق له العادة منْ نبيّ، أو وليّ، ولا يُنكر هَذَا، منْ حيث أنا لا نسمع ذلك، فإنه لا يلزم منْ عدم الإدراك عدم المدرك فِي نفسه، ثم إن الإنسان يجد فِي نفسه قولًا وكلامًا، ولا يُسمع منه، إلا إذا نطق بلسانه. وَقَدْ خرق الله العادة لنبينا -صلى الله عليه وسلم-، فأسمعه كلام النفس منْ قوم تحدّثوا مع أنفسهم، وأخبرهم بما فِي أنفسهم، كما نقل منه أئمتنا الكثير فِي كتب معجزات النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وكذلك وقع لكثير ممن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015