تَأْكُل الْعَذِرَة.
وَقَدْ أَزَالَ -كما قَالَ الحافظ- هَذِهِ الاحْتِمَالات منْ كَوْنَها لَمْ تُخَمَّس، أَوْ كَانَت جَلَّالَة، أَوْ كَانَت انْتُهِبَت، حَدِيثُ أَنَسِ الآتي بعد خمسة أحاديث -4442 - حَيْثُ جَاءَ فِيهِ: "فَإِنَّهَا رِجْس"، وَكَذَا الأَمْر بِغَسْلِ الإنَاء فِي حَدِيث سَلَمَة عند البخاريّ فِي "المغازي".
قَالَ الْقُرْطُبِيّ: قَوْله: "فَإِنَّهَا رِجْس"، ظَاهِر فِي عَوْد الضَّمِير عَلَى الْحُمُر؛ لأَنَّهَا الْمُتَحَدَّث عَنهَا، الْمَأْمُور بِإِكْفَائِهَا منْ القُدُور، وَغَسْلِهَا، وَهَذَا حُكْم المُتَنَجِّس، فَيُسْتفَاد مِنْهُ تَحْرِيم أَكْلهَا، وَهُوَ دَالّ عَلَى تَحرِيمهَا لِعَينِهَا؛ لا لِمَعْنًى خَارِج.
وَقَالَ ابْن دَقِيق الْعِيد: الأَمْر بِإِكْفَاءِ الْقَدْر، ظَاهِر أنَّهُ سَبَب تَحْرِيم لَحْم الْحُمُر. وَقَدْ وَرَدَتْ عِلَل أُخْرَى، إنْ صَحَّ رَفْع شَيْء مِنْهَا وَجَبَ الْمَصِير إِلَيْهِ، لَكِنْ لا مَانِع أَنْ يُعَلَّل الْحُكْم بِأَكْثَر مِنْ عِلَّة. وَحَدِيث أبِي ثَعْلَبَة صَرِيح فِي التَّحْرِيم، فَلا مَعْدِلَ عَنهُ.
وأَمَّا التَّعْليل بخَشْيَةِ قِلَّة الظَّهْر، فَأَجَابَ عَنهُ الطَّحَاوِيُّ، بِالمُعَارَضَةِ بِالْخَيْل، فَإِنَّ فِي حَدِيث جَابِر النَّهْي عَن الْحُمُر، وَالإذْن فِي الْخَيْل، مَقْرُونًا، فَلَوْ كَانَت الْعِلَّة لأَجْلِ الْحَمُولَة، لَكَانَتْ الْخَيْل أَوْلَى بالْمَنْع؛ لِقِلَّتِها عِنْدهمْ، وَعِزَّتَها، وَشِدَّة حَاجَتهم إِلَيْهَا.
وَالْجَوَاب عَن آيَة الأَنْعَام، أَنَّها مَكِّيَّة، وَخَبَر التَّحْرِيم مُتَأَخِّر جِدًّا، فَهُوَ مُقَدَّم، وأيْضاً فَنَصّ الآيَة خَبَر، عَن الْحُكْم الْمَوْجُود عِنْد نُزُولهَا، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ لَمْ يَكُنْ نَزَلَ فِي تَحْرِيم المَأْكُول، إِلَّا مَا ذُكِرَ فِيْهَا، وَلَيْسَ فِيهَا مَا يَمْنَع أنْ يَنْزِل بَعْد ذَلِكَ غَير مَا فيهَا، وَقَدْ نَزَلَ بَعْدهَا فِي الْمَدِينَة أَحْكَام بِتَحْريم أَشْيَاء، غَيْر مَا ذُكِرَ فِيهَا، كَالْخَمْرِ فِي آيَة الْمَائِدَة، وَفِيهَا أَيْضًا تَحْرِيم مَا أُهِلَّ لِغَيرِ الله بِهِ، وَالمُنْخَنِقَة إِلَى آخِره، وَكَتَحْرِيم السِّبَاع، وَالْحَشَرَات.
قَالَ النَّوَوِيّ: قَالَ بِتَحْرِيم الْحُمُر الأهْليَّة أَكْثَر العُلَمَاء، مِنْ الَصَّحَابَة، فَمَنْ بَعْدَهمْ، وَلَمْ نَجِد عَن أَحَد مِنْ الصَّحَاَبَة، فِي ذَلِكَ خِلَافًا لَهُم، إِلَّا عَن ابن عَبَّاس. وَعِنْدَ الْمَالِكيَّة ثَلاث رِوَايَات: ثَالِثهَا الْكَرَاهَة.
وَأمَّا الْحَدِيث الَّذِي أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، عَن غَالِب بن أبجر، قَالَ: "أَصَابَتْنَا سَنَة، فَلَمْ يَكُن فِي مَالِي مَا أُطْعِم أَهْلِي ... " الْحَدِيث، فإِسْنَاده ضَعِيف، وَالْمَتنْ شَاذ، مُخَالِف للأَحَادِيثِ الصَّحِيحَة، فَالاعْتِمَاد عَلَيْهَا.
وأَمَّا الْحَدِيث الَّذِي، أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيّ، عَن أُمّ نَصْر المُحَارِبِيَّة: "أنَّ رَجُلاً سَأَلَ رَسُول الله -صلى الله عليه وسلم-، عَن الْحُمُر الأَهْليَّة؟، فَقَالَ: أَلَيْسَ تَرْعَى الْكَلَأ؟، وَتَأكُل الشَّجَر؟ "، قَالَ: نَعَم، قَالَ: "فَأَصِبْ منْ لُحُومهَا"، وَأَخْرَجَهُ ابْن أَبِي شَيبَة، منْ طَريق رَجُل منْ بَنِي مُرّة، قَالَ: "سَأَلْت"، فَذَكَرَ نَحْوه، فَفِي السَّنَدَيْنِ مَقَال، وَلَوْ ثَبَتَا احْتَمَلَ أنْ يَكُون قَبْل التَّحْرِيم.
قَالَ الطَّحَاوِيُّ: لَوْ تَوَاتَرَ الْحَدِيث عَن رَسُول الله -صلى الله عليه وسلم-، بِتَحْرِيمِ الْحُمُر الأَهْليَّة، لَكَانَ