النَّظَر يَقْتَضِي حِلّهَا؛ لأَنَّ كُلّ مَا حُرِّمَ منْ الأَهْلِيّ، أُجْمِعَ عَلَى تَحْرِيمه، إِذَا كَانَ وَحْشِيًّا، كَالْخِنْزِيرِ، وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاء عَلَى حِلّ الْحِمَار الْوَحْشِيّ، فَكَانَ النَّظَر يَقْتَضي حِلّ الْحِمَار الأَهْلِيّ.
وتعقّبه الحافظ بأن مَا ادَّعَاهُ منْ الإجْمَاع مَرْدُود، فَإِنَّ كَثِيرًا منْ الْحَيَوَان الأَهْليّ مُخْتَلَف فِي نَظِيره، منْ الحَيَوَان الْوَحْشِيّ، كَالْهِرِّ. انتهى (?).
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: قد تبيّن بما ذُكر أن ما ذهب إليه جمهور العلماء منْ تحْريم الحمُر الأهليّة هو الحقّ؛ لكثرة الأحاديث الصحيحة الصريحة فيه. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.
4337 - (أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ، وَمَالِكٌ، وَأُسَامَةُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ الْحَسَنِ، وَعَبْدِ اللَّهِ ابْنَيْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِمَا، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، رضى الله عنه، قَالَ: "نَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، عَنْ مُتْعَةِ النِّسَاءِ، يَوْمَ خَيْبَرَ، وَعَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الإِنْسِيَّةِ").
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: "سليمان بن داود": هو الْمَهْريّ، أبو الربيع المصريّ. و"يونس": هو ابن يزيد الأيليّ. و"مالك": هو ابن أنس الإِمام المدنيّ. و"أُسامة": هو ابن زيد الليثيّ المدنيّ.
وقوله: "الإنسيّة" -بِكَسْرِ الْهَمْزَة، وَسُكُون النُّون، مَنْسُوبَة إِلَى الإنْس، وُيقَال فِيهِ: أَنَسِيَّة -بِفَتْحَتَيْنِ- وَزَعَمَ ابْن الأثِير، أَنَّ فِي كَلَام أَبِي مُوسَى الْمَدِينِيّ، مَا يَقْتَضِي أَنَّهَا بِالضَّمِّ، ثُمَّ السُّكُون؛ لِقَوْلِهِ: الأُنْسِيَّة: هِيَ الَّتِي تَأْلَف البُيُوت، وَالأُنْس ضِدّ الوَحْشَة. قَالَ فِي "الفتح": وَلا حُجَّة فِي ذَلِكَ؛ لأَنَّ أَبَا مُوسَى، إِنَّمَا قَالَهُ بِفَتْحَتَيْنِ، وَقَدْ صَرَّحَ الْجَوْهَرِيّ، أنَّ الأَنَس بِفَتْحَتَيْنِ، ضِدّ الوَحْشَة، وَلَمْ يَقَع فِي شَيْء منْ رِوَايَات الْحَدِيث بِضَمٍّ، ثُمَّ سُكُون، مَعَ احْتِمَال جَوَازه، نَعَم زَيَّفَ أَبُو مُوسَى الرِّوَايَة بِكَسْرِ أَوَّله، ثُمَّ السُّكُون، فَقَالَ ابْن الأَثِير: إن أَرَادَ منْ جِهَة الرِّوَايَة فَعَسَى، وَإلا فَهُوَ ثَابت فِي اللُّغَة، وَنِسْبَتهَا إِلَى الإنْس. وَقَدْ وَقَعَ فِي الرواية الماضية: "الأهْليَّة"، بَدَل الإنْسِيَّة، وَيُؤْخَذ مِنْ التَقْيِيد بِهَا، جَوَاز أَكْل الْحُمُر الوَحْشِيَّة، وسيعقد له المصنّف رحمه الله تعالى الباب التالي، إن شاء الله تعالى.
والحديث متّفقٌ عليه، وَقَدْ سبق تمام البحث فيه فِي الْحَدِيث الذي قبله. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.