واحتجّ الأولون بحديث جابر رضي الله تعالى عنه المذكور فِي الباب، وهو متَّفقٌ عليه. قَالَ ابن عبد البرّ: ورَوَى عن النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلم تحريم الحمُر الأهليّة عليّ، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو، وجابر، والبراء، وعبد الله بن أبي أوفى، وأنس، وزاهر الأسلميّ بأسانيد صحاح حسان، وحديث غالب بن أبجر لا يُعرَّج عَلَى مثله، مع ما عارضه، ويحتمل أن رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلم رخصّ لهم فِي مَجاعتهم، وبيّن علّة تحريمها المطلق؛ لكونها تأكل العذرات، قَالَ عبد الله بن أبي أوفى: حرّمها رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلم البتّة منْ أجل أنها تأكل العذرة. متّفقٌ عليه. انتهى كلام ابن قُدامة (?).
وأخرج البخاريّ فِي "صحيحه" منْ طريق سفيان بن عيينة، قَالَ عمرو: قلت لجابر ابن زيد: يزعمون أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، نهى عن الحمر الأهلية، فَقَالَ: قد كَانَ يقول ذاك الحكمِ بن عمرو الغفاري، عندنا بالبصرة، ولكن أبى ذلك البحرُ ابنُ عباس، وقرأ: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا}.
قَالَ فِي "الفتح": قَوْله: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا} فِي رِوَايَة ابْن مَرْدَوَيْهِ، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِم، منْ طَرِيق مُحَمَّد بْن شَرِيك، عَن عَمْرو بْن دِينَار، عَن أَبِي الشَّعْثَاء، عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: "كَانَ أَهْل الْجَاهِليَّة، يَأكُلُونَ أَشْيَاء، وَيتْرُكُونَ أَشْيَاء؛ تَقَذُّرًا"، فَبَعَثَ لِلَّهِ نَبِيّه، وَأَنْزَلَ كِتَابه، وَأَحَلَّ حَلَاله، وَحَرَّمَ حَرَامه، فَمَا أَحَلَّ فِيهِ فَهُوَ حَلَال، وَمَا حَرَّمَ فِيهِ، فَهُوَ حَرَام، وَمَا سَكَتَ عَنهُ فَهُوَ عَفْو، وَتَلَا هَذِهِ: {قُلْ لَا أَجِدُ} إِلَى آخِرهَا".
وَالاسْتِدْلَال بهَذَا لِلْحِلِّ، إِنَّمَا يَتِمّ فِيمَا لَمْ يَأْتِ فِيهِ نَصّ، عَن النَّبِيّ -صلى الله عليه وسلم- بتَحْرِيمِهِ، وَقَدْ تَوَارَدَت الأَخْبَار بِذَلِكَ، وَالتَّنْصِيص عَلَى التَّحْرِيم، مُقَدَّم عَلَى عُمُوم التَّحْلِيل، وَعَلَى الْقِيَاس، وَقَدْ روي عَن ابْن عَبَّاس، أَنَّهُ تَوَقَّفَ فِي النَّهْي عَن الْحُمُر: هَلْ كَانَ لِمَعْنًى خَاصّ، أَوْ لِلتَّأْييدِ؟ فَعَن الشَّعْبِي، عَنهُ، أَنَّهُ قَالَ: لا أَدْرِي، أنَهَى عَنْهُ رَسُول الله -صلى الله عليه وسلم-، منْ أجْل أَنَّهُ كَانَ حَمُولَة النَّاس، فَكَرِهَ أَنْ تَذهَب حُمُولَتهم، أَوْ حَرَّمَهَا الْبَتَّة يَوْم خَيْبَر؟، وَهَذَا التَّرَدُّد أَصَحّ مِنْ الْخَبَر الَّذِي جَاءَ عَنْهُ بِالجَزْم بِالعِلَّةِ الْمَذْكُورَة، وَكَذَا فِيمَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ، وَابْن مَاجَهْ، مِنْ طَرِيق شَقِيق بْن سَلَمَة، عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: "إِنَّمَا حَرَّمَ رَسُول الله -صلى الله عليه وسلم- الْحُمُر الأَهْليَّة، مَخَافَة قِلَّة الظَّهْر"، وَسَنَده ضَعِيف، وِفِي حَدِيث ابْن أَبِي أَوْفَى: فَتَحَدَّثنَا أَنَّهُ إِنَّمَا نَهى عَنهَا؛ لأَنَّهَا لَمْ تُخمَّس، وَقَالَ بَعْضهمْ: نَهَى عَنْهَا لأنَّهَا كَانَتْ