المحال أن ينادي منادي الصادق بالصلاة، ولا صلاة. انتهى (?).

(فَاجْتَمَعْنَا فَقَامَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- فَخَطَبَنَا، فَقَالَ: "إِنَّهُ) الضمير للشأن، وهو الضمير الذي تفسّره الجملة بعده، وهي هنا قوله (لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ قَبْلِي، إِلاَّ كَانَ حَقًّا عَلَيْهِ) أي واجبًا عليه؛ لأن ذلك منْ طريق النصيحة، والاجتهاد فِي التبليغ، والبيان (أَنْ يَدُلَّ أُمَّتَهُ عَلَى مَا يَعْلَمُهُ خَيْرًا لَهُمْ) قَالَ السنديّ: منْ العلم: أي عَلَى شيء يعلم النبيّ ذلك الشيء خيرًا لهم انتهى (وَيُنْذِرَهُمْ مَا يَعْلَمُهُ شَرًّا لَهُمْ، وَإِنَّ أُمَّتَكُمْ هَذِهِ، جُعِلَتْ عَافِيَتُهَا) أي خلاصها عما يضرّ فِي الدين (فِي أَوَّلِهَا، وَإِنَّ آخِرَهَا سَيُصِيبُهُمْ بَلاَءٌ، وَأُمُورٌ يُنْكِرُونَهَا) قَالَ القرطبيّ رحمه الله تعالى: يعني بأول الأمة زمانه، وزمان الخلفاء الثلاثة إلى قتل عثمان، فهذه الأزمنة كانت أزمنة اتّفاق هذه الأمة، واستقامة أمرها، وعافية دينها، فلمّا قُتل عثمان رضي الله تعالى عنه ماجت الفتن، كموج البحر، وتتابعت كقطع الليل المظلم، ثم لم تزل، ولا تزال متواليةً إلى يوم القيامة. وعلى هَذَا فأول آخر هذه الأمة المعنيّ فِي هَذَا الحديث مقتل عثمان رضي الله تعالى عنه، وهو آخرٌ بالنسبة إلى ما قبله، منْ زمان الاستقامة والعافية. وَقَدْ دلّ عَلَى هَذَا قوله: "وأمورٌ تنكرونها"، والخطاب لأصحابه، فدلّ عَلَى أن منهم منْ يُدرك أوّل ما سمّاه آخرًا، وكذلك كَانَ. انتهى كلام القرطبيّ (?).

(تَجِيءُ) وفي رواية مسلم: "وتجيء" بالواو (فِتَنٌ، فَيُدَقِّقُ بَعْضُهَا لِبَعْضٍ) هكذا فِي معظم النسخ: "فيدقق" بالدال المهملة، فقافين، الأولى مشددة مكسورة: أي يجعل بعضها بعضًا دقيقًا: أي خفيفًا. والظاهر أن اللام فِي "لبعض" زائدة. وفي بعض النسخ: "فيَدْفِقُ" بالفاء بدل القاف الأولى: أي يدفع، ويصبّ، قَالَ القرطبيّ: يعني أنها كموج البحر الذي يَدْفِق بعضه بعضًا.

وَقَالَ السنديّ: وفي بعض النسخ براء مهملة، موضع الدال: أي يُصَيِّرُ بعضها بعضًا رقيقًا خفيّا، والحاصل أن المتأخّرة منْ الفتن أعظم منْ المتقدّمة، فتصير المتقدّمة عندها دقيقةً رفيقةً. انتهى.

وفي رواية مسلم: "فيرقّق بعضها بعضًا". قَالَ النوويّ رحمه الله تعالى: هذه اللفظة رُويت عَلَى أوجه:

[أحدها]: وهو الذي نقله القاضي عن جمهور الرواة، يُرقّق بضمّ الياء، وفتح الراء، وبقافين أن يَصِير بعضها رقيقًا: أي خفيفًا؛ لعظم ما بعده، فالثاني يجعل الأول رقيقًا. وقيل: معناه: يشبه بعضها بعضًا. وقيل: يدور بعضها فِي بعض، ويذهب، ويجيء.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015