فيه، وترافعا إلى أبى بكر الصديق وعمر رضي الله تعالى عنهم، ولم يقسِم أحدٌ منهما ذلك ميراثا، ولا مكّنا منه عبّاسًا وعليّا، وقد قَالَ الله تعالى: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى} إلى قوله: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} [الحشر: 7 - 10]، فأخبر سبحانه أن ما أفاء الله عَلَى رسوله صلّى الله تعالى عليه وسلم بجملته لمن ذُكر فِي هذه الآيات، ولم يخصّ منه خمسه بالمذكورين، بل عمّم، وأطلق، واستوعب، ويُصرف عَلَى المصارف الخاصّة، وهم أهل الخمس، ثم عَلَى المصارف العامة، وهم المهاجرون والأنصار، وأتباعهم إلى يوم الدين، فالذي عمِل به هو، وخلفاؤه الراشدون هو المراد منْ هذه الآيات، ولذلك قَالَ عمر بن الخطّاب رضي الله تعالى عنه فيما رواه أحمد رحمه الله تعالى وغيره عنه: "ما أحد أحقّ بهذا المال منْ أحد، وما أنا أحقّ به منْ أحد، والله ما منْ المسلمين أحدٌ إلا وله فِي هذا المال نصيبٌ، إلا عبد مملوك، ولكنّا عَلَى منازلنا منْ كتاب الله، وقسمنا منْ رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، فالرجل وبلاؤه فِي الإِسلام، والرجل وقِدَمه فِي الإِسلام، والرجل وغَنَاؤه فِي الإِسلام، والرجل وحاجته، ووالله لئِّن بقِيتُ لهم ليأتينّ الراعي بجبل صنعاء حظّه منْ هذا المال، وهو يرعى مكانه" (?).
فهؤلاء المسمّون فِي آية الفيء هم المسمّون فِي آية الخمس؛ لأنهم المستحقّون لجملة الفيء، وأهل الخمس لهم استحقاقان: استحقاقٌ خاص منْ الخمس، واستحقاق عام منْ جملة الفيء، فإنهم داخلون فِي النصيبين. وكما أن قسمته منْ جملة الفيء بين منْ جعل له ليس قسمةَ الأملاك التي يشترك فيما المالكون، كقسمة المواريث، والوصايا، والأملاك المطلقة، بل بحسب الحاجة، والنفع، والغناء فِي الإِسلام، والبلاء فيه، فكذلك قسمة الخمس فِي أهله، فإن مخرجهما واحد فِي كتاب الله، والتنصيص عَلَى الأصناف الخمسة يُفيد تحقيق إدخالهم، وأنهم لا يخرجون منْ الفيء بحال، وأن الخمس لا يعدوهم إلى غيرهم، كأصناف الزكاة لا تعدوهم إلى غيرهم، كما أن الفيء العام فِي آية الحشر للمذكورين فيها , لا يتعداهم إلى غيرهم، ولهذا أفتى أئمة الإِسلام، كمالك، وأحمد، وغيرهما أن الرافضة لا حق لهم فِي الفيء؛ لأنهم ليسوا منْ المهاجرين، ولا منْ الأنصار، ولا منْ الذين جاؤوا منْ بعدهم يقولون: ربّنا اغفر لنا, ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان, وهذا مذهب أهل المدينة، واختيار شيخ الإِسلام ابن تيمية، وعليه يدلّ القرآن، وفِعلُ رسول الله صلَّى الله تعالى عليه وسلم، وخلفائه الراشدين.