وقد اختلف الناس فِي آية الزكاة، وآية الخمس، فقال الشافعيّ: تجب قسمة الزكاة والخمس عَلَى الأصناف كلها، ويُعطي منْ كلّ صنف منْ يُطلق عليه اسم الجمع. وَقَالَ مالك، وأهل المدينة: بل يُعطي فِي الأصناف المذكورة فيهما، ولا يعدوهم إلى غيرهم، ولا تجب قسمة الزكاة، ولا الفيء فِي جميعهم. وَقَالَ أحمد، وأبو حنيفة بقول مالك رحمهم الله تعالى فِي آية الزكاة، وبقول الشافعيّ رحمه الله تعالى فِي آية الخمس.
ومن تأمّل النصوص، وعَمَلَ رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلم، وخلفائه، وجده يدلّ عَلَى قول أهل المدينة، فإن الله سبحانه وتعالى، جعل أهل الخمس هم أهل الفيء، وعيّنهم اهتمامًا بشأنهم، وتقديما لهم، ولما كانت الغنائم خاصّةً بأهلها, لا يشركهم فيها سواهم، نصّ عَلَى خمسها لأهل الخمس، ولما كان الفيء لا يختص بأحد، دون أحد، جعل جملته لهم، وللمهاجرين والأنصار، وتابعيهم، فسوّى بين الخمس، وبين الفيء فِي المصرف، وكان رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلم يصرِف سهم الله، وسهمه فِي مصالح الإِسلام، وأربعة أخماس الخمس فِي أهلها، مقدّمًا الأهمّ، فالأهمّ، والأحوج، فالأحوج، فيُزوّج منه عزابهم، ويَقضي منه ديونهم، ويُعين ذا الحاجة منهم، وُيعطي عزبهم حظًا، ومتزوّجهم حظّين، ولم يكن هو، ولا أحدٌ منْ خلفائه يجمعون اليتامى، والمساكين، وأبناء السبيل، وذوي القربى، ويقسمون أربعة أخماس الفيء بينهم عَلَى السوية، ولا عَلَى التفضيل، كما لم يكونوا يفعلون ذلك فِي الزكاة، فهذا هديه، وسيرته صلّى الله تعالى عليه وسلم، وهو فصل الخطاب، ومحض الصواب. انتهى كلام ابن القيّم رحمه الله تعالى (?).
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: هذا الذي حققه ابن القيّم رحمه الله تعالى تحقيقٌ حسنٌ جدُّا. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الخامسة): قَالَ أبو عبد الله القرطبيّ رحمه الله تعالى: لم يختلف العلماء أن قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} الآية ليس عَلَى عمومه، وأنه يدخله التخصيص، فمما خصّصوه بإجماع أن قالوا: سلب المقتول لقاتله، إذا نادى به الإِمام، وكذلك الأسارى، الخيرة فيهم إلى الإِمام بلا خلاف. ومما خُصّ منه أيضًا الأرض، والمعنى: ما غنِمتم منْ ذهب وفضّة، وسائر الأمتعة، والسبي. وأما الأرض فغير داخلة فِي عموم هذه الآية؛ لما روى أبو داود عن عمر بن الخطّاب رضي الله تعالى عنه أنه