(ومنها): أنه يُؤْخذُ مِنْهُ جوازُ حُكْم الْحَاكِمِ بِعِلمِهِ. (ومنها): أنه اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ لا يَمْلِكُ شَيْئًا منْ الْفَيْءِ، ولا خُمُس الغَنِيمةِ، إِلا قَدْر حاجتِهِ، وَحَاجَة مَنْ يمُونُهُ، وَمَا زاد عَلَى ذَلِك، كَانَ لهُ فِيهِ التَّصَرُّف بالْقَسْمِ، والْعَطِيةِ. وَقَالَ آخَرُون: لَمْ يَجْعَلْ الله لِنبِيهِ صلّى الله تعالى عليه وسلم مِلْكَ رَقَبَةَ مَا غَنِمهُ، وإِنَّمَا ملكهُ مَنَافِعه، وجعل لهُ مِنْهُ قَدْر حَاجتِهِ، وَكَذلِك القَائِم بِالأمْرِ بَعْدَهُ.

وَقَالَ ابْن الْبَاقِلانِيّ فِي الرَّدِّ عَلَى منْ زَعَمَ أنَّ النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- يُوَرثُ: احْتَجُّوا بِعُمُوم قَوْلِهِ تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} [النساء: 11]، قَالَ: أمَّا مَنْ أنْكَر العُمُوم، فَلا اسْتِغْرَاَق عِنْدَهُ لِكُلِّ مَنْ مَاتَ أنَّهُ يُورَثُ، وأمَّا مَنْ أثْبَتَهُ، فَلا يُسَلِّمُ دُخُول النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فِي ذلِك، ولو سلم دُخُولهُ لوَجَبَ تَخْصِيصُهُ، لِصِحَّةِ الْخَبَرِ، وَخَبرُ الآحادِ يُخَصِّصُ، وِإنْ كَانَ لا يَنْسَخُ، فَكَيْف بالْخَبَرِ إِذَا جَاءَ مِثْلَ مَجِيءِ هَذَا الْخَبَرِ، وهُو: "لا نُوَرثُ". ذكره فِي "الفتح" (?).

قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: قول الباقلّاني: "وإن كان لا يَنسَخ"، فيه أن الحقّ جواز نسخ الكتاب بخبر الآحاد، وانظر ما كتبته عَلَى "الكوكب الساطع" ص 232 - 233. فِي الأصول. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الرابعة): فِي اخْتَلاف أهل العلم فِي مَصْرِف الْفَيْء:

ذهب مَالِك رحمه الله تعالى إلى أن الْفَيَء والخُمُس سَوَاءٌ، يُجْعَلانِ فِي بَيْتِ المَالِ، وَيُعْطِي الإمَامُ أقَارِب النَّبيّ -صلى الله عليه وسلم-، بِحَسَب اجْتِهَاده.

وذهب الجُمْهُور إلى الفرق بين خُمُسِ الْغنِيمَةِ، وَبَيْن الْفَيَءِ، فَقَالوا: الْخُمُسُ مَوْضُوع فِيمَا عَيَّنَهُ الله فِيهِ، منْ الأصنَافِ المُسَمَّيْن فِي آيةِ الْخُمُسِ، مِنْ "سُورةِ الأنْفَالِ"، لا يُتعَدَّى بِهِ إِلَى غَيْرِهِمْ. وأمَّا الْفَيْءُ، فَهُوَ الَّذِي يَرْجِعُ النَّظرُ فِي مَصْرِفِهِ إِلَى رَأْي الإِمَامِ، بِحَسَب الْمَصْلَحَة.

وانْفَردَ الشَّافِعِيّ -كَمَا قَالَ ابْن الْمُنْذِر وَغَيرُهُ- بأَنَّ الْفَيْء يُخَمَّسُ، وأَنَّ أَرْبَعَة أَخْمَاسه لِلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، ولَهُ خُمُسُ الخُمُسِ، كَمَا فِي الغنِيمة، وأرْبَعَة أخْمَاسِ الخُمُسِ لِمُسْتَحِقِّ نظِيرِها منْ الْغَنِيمَةِ.

وَقَالَ الْجُمْهُور: مَصْرِف الْفَيْء كُلّه إِلَى رسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، واحْتَجُّوا بِقَوْلِ عُمَر: "فَكَانَتْ هَذِهِ لِرسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- خَاصَّة"، وتَأوَّلَ الشَّافِعِي قَوْل عُمَر الْمَذْكُور بأنَّهُ يُرِيدُ الأخْمَاس الأرْبَعَة. قاله فِي "الفتح" (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015