لتخصيص الخمس للَّه تعالى، وإنما فائدة ذكره الاستفتاح باسمه تعالى تبرّكًا (وَلَعَلَّهُ إِنَّمَا اسْتَفْتَحَ الْكَلَامَ، فِي الْفَيْءِ وَالْخُمُسِ بِذِكْرِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهَا أَشْرَفُ الْكَسْبِ) أي لكون الغنيمة أفضل مكاسب المسلم، فناسب ذكره تعالى معها (وَلَمْ يَنْسِبِ الصَّدَقَةَ إِلَى نَفْسِهِ -عَزَّ وَجَلَّ-) أي في آية الصدقة، فإنه ذكر المستحقّين لها، دون أن يستفتح بذكر اسمه -عَزَّ وَجَلَّ-، حيث قال: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} الآية [التوبة: 60]، (لِأَنَّهَا أَوْسَاخُ النّاسِ) كما بيّنه - صلى اللَّه تعالى عليه وسلم - فيما أخرجه مسلم، وأبو داود، والمصنّف: "إن هذه الصدقة لا تنبغي لمحمد، ولا لآل محمد، إنما هي أوساخ الناس" (وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ).
(وَقَدْ قِيلَ: يُؤخَذُ مِنْ الْغَنِيمَةِ شَيْءٌ، فَيُجْعَلُ فِي الْكَعْبَةِ) أي في مصالحها (وَهُوَ السَّهْمُ الَّذِي لِلهِ -عَزَّ وَجَلَّ-) وهذا القول مرويّ عن أبي العالية، فقد أخرج ابن جرير في "تفسيره" من طريق الربيع بن أنس، عنه، قال: كان رسول اللَّه - صلى اللَّه تعالى عليه وسلم - يُؤتى بالغنيمة، فيقسمها على خمسة، تكون أربعة أخماس لمن شهدها، ثم يأخذ الخمس، فيضرب بيده فيه، فيأخذ منه الذي قبض كفه، فيجعله في الكعبة، وهو سهم اللَّه، ثم يقسم ما بقي على خمسة أسهم، فيكون سهم للرسول، وسهم لذي القربى، وسهم لليتامى، وسهم للمساكين، وسهم لابن السبيل. انتهى (?). (وَسَهْمُ النَّبِيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - إِلَى الإِمَامِ، يَشْتَرِي الكُراَعَ) بالضم: أي الخيل (مِنْهُ وَالسِّلَاحَ، وَيُعْطِي مِنْهُ مَنْ رَأَى) أي من علم أنه مستحق للعطاء بسبب نفعه لعموم المسلمين، كما أوضحه بقوله (مِمَّنْ رَأَى فِيهِ غَنَاءً) بالفتح، والمدّ: الكفايةُ: أي ممن كان في وجوده كفاية للمسلمين، يكفيهم بشجاعته في الحرب مثلاً (وَمَنْفَعَةً) بفتح الميم، والفاء: أي نفعًا (لِأَهْلِ الإِسْلَامِ) وقوله (وَمِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالْعِلْمِ وَالْفِقْهِ وَالقُرْآنِ) من عطف الخاصّ على العامّ.
(وَسَهْمٌ لِذِي القُرْبَى، وَهُمْ بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ، بَيْنَهُمْ الْغَنِيُّ مِنْهُمْ وَالْفَقِيرُ) يعني أنه لا يختصّ به الفقير، بل يشترك فيه الغني والفقير (وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهُ لِلْفَقِيرِ مِنْهُمْ دُونَ الغَنِيِّ، كَالْيَتَامَى، وَابْنِ السَّبِيلِ) يعني أن بعضهم خصّ به الفقير، دون الغني، وهذا القول هو الذي ماله إليه المصنّف -رحمه اللَّه تعالى-، حيث قال (وَهُوَ أَشْبَهُ الْقَوْلَيْنِ بِالصَّوَابِ عِنْدِي- واللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ-) لكن ظاهر النصّ العموم، فيحتاج تخصيصه بالفقير إلى دليل، فالظاهر حمله على عمومه. واللَّه تعالى أعلم.